منهم كان لديه مسعىً أو غرضاً آخر في العودة المفاجئة للمدينة بالرغم من تحذير ولعن الرسول الذي كان قد شملهم جميعاً (١).
هذا المسعى او الهدف المُبيّت هو لإستشفاف الاوضاع الحرجة ، ومحاولة الالتفاف على خليفة الرسول صلىاللهعليهوآله قبل أن يبايعه المهاجرون والأنصار ، وبالتالي يسقط ما في أيدي هؤلاء الذين يسعون لتسنّم منصب الخلافة على حساب الخليفة المُعيّن من قبل رسول الله ، ولذلك فلم يشارك هؤلاء المتخلّفون عن بعث أسامة ، بمراسم دفن الرسول صلىاللهعليهوآله وتشييعه ، بالرغم من أن تخلّفهم عن البعث إنما كان لتقصّي مصيره صلىاللهعليهوآله حسب زعمهم.
وقام بمراسم التشييع والدفن ، عليّ وبنو هاشم وقلّة من الصحابة ، فيما تخلّف عن هذه المراسم المقدّسة ، الكثير من الصحابة الذين انصرفوا إلى سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة من بينهم.
هذا الموقف اللامسؤول من قبل هؤلاء الذين فيهم كبار الصحابة تجاه الرسول وعدم احترام نعْشه ، يبعث على العجب والتساؤل ، لأن الذين قفّلوا عائدين من بعث أسامة ، كانوا من كبار الصحابة وبضمنهم عمر بن الخطاب وأبو بكر ، وابو عبيدة الجراح ، وهم قد تجاهلوا تماماً ، لعن الرسول على المتخلفين عن جيش أسامة مهما كانت عللهم وذرائعهم ، وإن كانت وجيهة ، لكن هؤلاء تعلّلوا بالقلق على مصير الرسول وهو على مشارف الموت ، غير انهم لم يأبهوا لوفاته صلىاللهعليهوآله وكأن موته لا يعنيهم ، فلم يشاركوا في مراسم دفن خير البشر صلىاللهعليهوآله ، وإنما اتفقوا على الذهاب فوراً إلى سقيفة بني ساعدة حيث يجتمع زعماء الانصار لتناول قضية الخلافة ، وملء الفراغ
__________________
(١) عمدة القاري ـ العيين ١٨ : ٧٦ ؛ الطبقات الكبرى ـ ابن سعد ٢ : ١٩٠ ؛ المواقف ـ الايجي ٣ : ٦٥٠.