والجماعة قد قطعوا بامتناع نسخ القرآن بالسُنّة المتواترة أيضاً.
نعم ان علماء سُنّة كباراً كالشاطبي ، قد شخص قيمة القرآن ، وهو الحاكم على السُنّة وليس السُنّة حاكمة عليه ، ولذلك فهو يقول عن القرآن الكريم : ان الكتاب قد تقرّر انه علية الشريعة ، وعمدة الملة وينبوع الحكمة ، وآية الرسالة ونور الأبصار والبصائر ، وانه لا طريق الى الله سواه ، ولا نجاة بغيره ، ولا تمسّك بشيء يخالفه ، وهذا كله لا يحتاج الى تقرير واستدلال عليه لأنه معلوم من دين الأمّة ، واذا كان كذلك يلزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة ، وطمع في إدراك مقاصدها واللحاق بأهلها ، أن يتخذه سميره وأنيسه ، وأن يجعله جليسه على مرّ الأيام والليالي ، نظراً وعملاً لا اقتصاراً على أحدهما ، فيوشك أن يفوز بالبُغية ، وأن يظفر بالطلبة ، ويجد نفسه من السابقين وفي الرعيل الأول.
أما حبر الأمة عبد الله بن عباس ، فيقول ان القرآن ذو شجون وفنون ، وبطون ، ومحكم ومتشابه ، وظهر وبطن ، فظهره التلاوة ، وبطنه التأويل (١).
إذاً ... فالقرآن هو الحاكم على السُنّة وليس العكس صحيح ، غير إن علماء من أهل السُنّة والجماعة كالبيهقي وعبد الرحمن بن مهدي والخطابي ويحيى بن معين ، يرفضون أولوية القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف حول «عرض السُنّة النبوية على القرآن الكريم لمعرفة هل توافقه أم لا حتى تُضرب بعرض الجدار». فيقول عبد الرحمن بن مهدي بأن الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث ، يعني ما رُوي عنه صلىاللهعليهوآله إنه قال : «ما أتاكم عني ، فإعرضوه على كتاب الله ، فإن وافق كتاب الله ، فأنا قلته ، وان خالف كتاب الله ، فلم اقله ، وإنما أنا موافق كتاب الله وبه هداني الله»
__________________
(١) الاتقان ـ السيوطي ٢ : ٤٨٧ ؛ الدر المنثور ـ السيوطي ٢ : ٦.