وأخيرا لخّص كلامه في بيان التأويل بما يلي :
«التأويل في عرف القرآن هو الحقيقة التي يتضمّنها الشيء ويؤول إليها ويبتنى عليها ، كتأويل الرؤيا ، وهو تعبيرها ، وتأويل الحكم ، وهو ملاكه ، وتأويل الفعل ، وهو مصلحته وغايته الحقيقيّة ، وتأويل الواقعة ، وهو علّتها الواقعية ، وهكذا» (١).
غير أن وقفة فاحصة عند كلام هذا المحقق العلامة ، تجعلنا نتردد في التوافق معه ، إنه رحمهالله لو كان اقتصر على ما لخّصه أخيرا ، من جعل ملاكات الأحكام والمصالح والغايات الملحوظة في التشريعات والتكاليف تأويلا ، أي أصلا لها ومرجعها الأساسي لكل ذلك المذكور ؛ لأمكننا مرافقته.
لكنه توسّع في ذلك ، وفرض من تأويل آي القرآن كلها أمرا بسيطا ذا إحكام رصين ، ليس فيه شيء من هذه التجزئة والتفصيل الموجود في القرآن الحاضر الذي يتداوله المسلمون منذ أول يومهم فإلى ما لا نهاية ، فإن ذاك عار عن كونه آية آية وسورة سورة ، وجودا واحدا بسيطا صرفا ، مستقرا في محل أرفع ، في كتاب مكنون لا يمسّه إلّا المطهّرون.
وفرض من القرآن ذا وجودين : وجودا ظاهريا يتشكل في ألفاظ وعبارات ذوات مفاهيم معروفة ، وهو الذي يتلى ويقرأ ويدرس ، ويتداوله الناس حسبما ألفوه طوال عهد الإسلام.
ووجودا آخر باطنيا ، هو وجوده الحقيقي الأصيل ، المترفع عن أن تناله العقول والأحلام ، فضلا عن الأوهام ، وذلك الوجود الحقيقي الرفيع هو تأويل
__________________
(١) الميزان ، ج ١٣ ، ص ٣٧٦.