ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها)(١).
وبعد ، فإذ كانت تلك حالة العلماء من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يصدرون الناس إلّا عن مصدر الوحي الأمين ، ولا ينطقون إلّا عن لسانه الناطق بالحق المبين ، فكيف يا ترى مبلغ اعتبار ما يصدر عن ثلّة ، هم حملة علم الرسول ، والحفظة على شريعته الأمناء؟!
نعم كان الشرط في الحجية والاعتبار أوّلا : صحة الإسناد إليهم ، وثانيا : كونهم من الطراز الأعلى. وإذ قد ثبت الشرطان ، فلا محيص عن جواز الأخذ وصحة الاعتماد ، وهذا لا شك فيه بعد الذي نوّهنا.
إنما الكلام في اعتبار ذلك حديثا مسندا ومرفوعا إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بالنظر إلى كونه الأصل في تربيتهم وتعليمهم ، أو أنه استنباط منهم ، لمكان علمهم وسعة اطّلاعهم فربما أخطئوا في الاجتهاد ، وإن كانت إصابتهم في الرأي أرجح في النظر الصحيح.
الأمر الذي فصّل القوم فيه ، بين ما إذا كان للرأي والنظر مدخل فيه ، فهذا موقوف على الصحابي ، لا يصحّ إسناده إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. وما إذا لم يكن كذلك ، مما لا سبيل إلى العلم به إلّا عن طريق الوحي ، فهو حديث مرفوع إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا محالة ؛ وذلك لموضع عدالة الصحابي ووثاقته في الدين. فلا يخبر عما لا طريق للحسّ إليه ، إلّا إذا كان قد أخبره ذو علم عليم صادق أمين.
وإليك بعض ما ذكره القوم بهذا الشأن :
قال العلامة الطباطبائي ـ عند تفسير قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ
__________________
(١) الرعد / ١٧.