البشر عامّة. وقد شاءت حكمته البالغة أن ينزل قرآنه العظيم على نبيّه بلسان
قومه ، مع أنّ تعاليمه عامّة وهدايته شاملة ؛ ولذلك فمن الواجب أن يفهم القرآن كل
أحد ليهتدي به. ولا شكّ أنّ ترجمته مما يعين على ذلك ، ولكنه لا بدّ أن تتوفّر في
الترجمة براعة وإحاطة كاملة باللغة التي ينقل منها القرآن إلى غيرها ؛ لأنّ
الترجمة مهما كانت متقنة لا تفي بمزايا البلاغة التي امتاز بها القرآن ، بل ويجري
ذلك في كل كلام ؛ إذ لا يؤمن أن تنتهي الترجمة إلى عكس ما يريد الأصل. ولا بدّ إذن
في ترجمة القرآن من فهمه ، وينحصر فهمه في أمور ثلاثة : ١ ـ الظهور اللّفظي الذي
تفهمه العرب الفصحى ، ٢ ـ حكم العقل الفطري السليم ، ٣ ـ ما جاء من المعصوم في
تفسيره. وعلى هذا تتطلّب إحاطة المترجم بكل ذلك لينقل منها معنى القرآن إلى لغة
أخرى. وأما الآراء الشخصيّة التي يطلقها بعض المفسّرين في تفاسيرهم ، ولم تكن على
ضوء تلك الموازين ، فهي من التفسير بالرأي وساقطة عن الاعتبار ، وليس للمترجم أن
يتّكل عليها في ترجمته. وإذا روعي في الترجمة كل ذلك ، فمن الراجح أن تنقل حقائق
القرآن ومفاهيمه إلى كل قوم بلغتهم ؛ لأنّها نزلت للناس كافّة. ولا ينبغي أن تحجب
ذلك عنهم لغة القرآن ، ما دامت تعاليمه وحقائقه لهم جميعا» .
كتاب شيخ الأزهر
جاء في كتاب
رسمي قدّمه شيخ الجامع الأزهر الأسبق الشيخ محمد مصطفى المراغي إلى رئيس مجلس
الوزراء المصري عام (١٣٥٥ ه. ق) ما نصّه :
«اشتغل الناس
قديما وحديثا بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللّغات المختلفة ، وتولّى ترجمته
أفراد يجيدون لغاتهم ولكنّهم لا يجيدون اللغة العربيّة ،
__________________