وهكذا ظلّ المسلمون يفهمون القرآن على حقيقته ، ويعلمون به على بيّنة من أمره ، أقوياء أعزّاء ، في سلامة وسعادة وعيش هنيء ، مستمسكين بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها. وقد تداومت بهم هذه الحياة العليا طوال عهد الرسالة ، وشطرا بعدها غير قليل.
ثم خلف من بعدهم خلف ـ على تطاول الأيّام ـ أضاعوا بعض تلكم الطريقة المثلى ، واتّبعوا السبل ، فتفرّقت بهم ذات اليمين وذات الشمال ، ربما في أهواء متباينة وآراء متضاربة ؛ فكانت أحداث وبدع وضلالات ، وابتداع مذاهب وانحيازات ، كل يضرب على وتره ، ويعمل على شاكلته ..
* * *
وكان من جرّاء ذلك أن دخلت في الحديث والتفسير دخائل وأساطير مستوردة من أبناء اسرائيل ومسلمة أهل الكتاب ، كان يبثّها بين المسلمين فئات تظاهرت بالإسلام إمّا لغلبة الجوّ والمحيط ، أو لرغبة في الدسّ والتزوير.
تلك كانت بليّة المسلمين ، وقد كثر الخبط والتخليط ، ولم يفترق السليم عن السقيم ، وكان نصيب التفسير من هذا الخبط الحظّ الأوفر بما أوتي هؤلاء من قدرة للاستحواذ على عقول الضعفاء وأهل الأطماع من الأمراء.
* * *
نعم كانت هناك معايير ومقاييس تميّز الغثّ من السمين ، وقد عرّفها النبي الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم للأمّة منذ أن أحسّ بدخائل أهل الضغائن على الإسلام ، ممن يتّبعون المتشابهات من الآيات ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل.
فوضع حدودا دون رسوب تلكم الدسائس الخبيثة ، وكان من أهمّها : العرض على محكمات الآيات (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) ، ثم اللجوء إلى العترة الطّاهرة «الثقل الأصغر» كما في حديث الثقلين ، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض. وعدم