ابن عرفة : كان يمشي لنا ما السر في تخصيص جواب القسم بنطقهم ، ولم يقل : مثل ما أنكم تسمعون أو تبصرون أو تعقلون؟ فالجواب : بها ذكر في اللوامع أن النطق الذي هو مشتق من المنطق خلق في الداخل ونطق في الخارج ، والداخل كان المراد به الذات وذات كل أحد الشعور بها وإدراكها ضروري بديهي ، فصار التشبيه بها في غاية إفادة التحقيق للقسم له بالمقسم عليه ، أي هو حق مثل : (ما أَنَّكُمْ) أنتم بخلاف غيره فإنه لا يفيد هذا المعنى.
قوله تعالى : (أَتاكَ حَدِيثُ).
فيه سؤالان :
الأول : لم قال هنا : (حَدِيثُ) ، وفي سورة ص (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) [سورة ص : ٢١]؟ وجوابه : أن تلك فيها غرابة فناسب التعبير بالنبأ.
الثاني : لم أتى بهذه الجملة غير معطوفة وعطف تلك؟ وجوابه : أن تلك تقدم ذكر بعضها بخلاف هذه.
قوله تعالى : (فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ).
قال السكاكي وغيره من البيانيين : سلام إبراهيم أبلغ لأنه عبر بالاسم المقتضي للثبوت ، وسلام الملائكة بالنقل فجرى على أسلوب ، قوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) [سورة النساء : ٨٦] ، انتهى ، ويعترض هذا التأكيد فإن سلام الملائكة مؤكد بالمصدر المفيد إزالة الشك من الحديث ، فناسب التأكيد مناب الثبوت الذي زاد به سلام إبراهيم فاستويا فليس أحدها أبلغ من الآخر ، وجوابه : أن التأكيد بالمصدر إنما يفيد إزالة الشك عن الحديث في الخبر لأنه غير مشاهد ، فإذا قلت : قام زيد ، احتمل الحقيقة والمجاز ، فأتى بالمصدر لرفع المجاز وتعيين إرادة الحقيقة ، وأما الإنشاء فلا يزيد المصدر فيه ، وذلك أن الإنسان إذا ....... (١) بعت لزمه البيع وليس فيه مجاز ، وهذه الآية السّلام فيها من قبيل الإنشاء لا من قبيل الخبر ، فلم يزد فيها المصدر زيادة ؛ فبقى الأمر على ما كان عليه من اقتضاء الفعل التجدد والاسم الثبوت ، فسلام إبراهيم عليه الصلاة والسّلام أبلغ من سلام الملائكة ، فإن قلت : المصدر إنما يفيد إزالة الشك عن الحديث فهو يفيد تحقيق وقوع السّلام منهم على ما هو عليه ، وهو مدلول عليه بلفظ الفعل المقتضي للتجدد فكان قبل المصدر
__________________
(١) سقط في المخطوطة.