سورة الطلاق
أكثر ما وقع في القرآن أن مخاطبته صلّى الله عليه وعلى آله وسلم بصفاته ، فقال (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) ، وكذلك (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَ) [سورة الأعراف : ١٥٧] ، (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [سورة الأحزاب : ٥٦] ، وغير ذلك من الآيات ، وما وقع التعبير عنه باسم العلم ، إلا في نحو خمس آيات ، وهي قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) [سورة آل عمران : ١٤٤] ، وقوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [سورة الأحزاب : ٤٠] ، وقوله تعالى : (وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) [سورة محمد : ٢] ، وقوله تعالى : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [سورة الصف : ٦] ، وسبب ذلك أن هذه الصفات ذكرت على سبيل المدح والتشريف ، فلذلك كرر هنا ذكرها ، والتصريح باسمه العلم إنما هو لتميزه عن غيره فقط ، وعبر هنا بالنبي الذي هو أعم من الرسول ليعم الخطاب بحكم الطلاق له ولأمته ، وعبر بإذا دون إن مع أن الطلاق مبغوض شرعا ، لكن روعي فيه كثرة وقوعه في الوجود الخارجي ، والمراد أردتم الطلاق ، وليس في الآية ما يدل على إباحة الطلاق ولا عدم إباحيته.
قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ).
أي لاستقبال عدتهن ، والمطلقة في الحيض لا تستقبل العدة ؛ لأنها تمكث حتى تطهر ، فحينئذ تبدأ بحسب العدة بخلاف المطلقة في الطهر ، فإنها تحسب بذلك الطهر فهي مطلقة في الزمن التي تستقبل فيه عدتها إثر الطلاق ، وفيه دليل على منع الطلاق في الحيض ، وهو مذهب مالك في جميع مسائل الفقه إلا في مسألة واحدة ، وهي طلاق المولي إذا انقضى أمد الإيلاء وهي حائض ، فاختلف قوله ، فقال مرة : يطلق عليه الحاكم حينئذ ، وقال مرة : يتربص حتى تطهر ، فحينئذ يطلقها عليه ، وهو مذهب ابن القاسم ، وأما طلاق الحامل فعلى الاختلاف في دمها هل دم حيض أم لا ، قال مكي : ومعنى قوله تعالى : (لِعِدَّتِهِنَّ) ، واعتيادهن ، أي للأقراء التي اعتدتها ويرد باختلاف المادة ، وإنما المعنى العدة أي للأقراء التي بدونها ويحسبونها ، فإن قلت : يلزمك أن يكون عطف (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) ، تكرار ، قلت : المراد بالأول : العدة ، وبالثاني : إحصاؤها ، ويكون تأكيدا أو أسند الطلاق إلى الرجال ، والعدة إلى النساء ؛ لأن طلاق العبد طلقتان ، ولو كانت زوجته حرة ، وعدة الأمة حيضتان ولو كان زوجها حرا.