سورة الجن
الإتيان بقل دليل على عذابة المقول ، وأنه أمر عجيب ، وقوله (أُوحِيَ) مع أن القرآن كله موحا به ؛ لأنه لو قال اسمع لأوهم أنه يخبر عن من شاهد منهم ، وعلم فقد يقال له حينئذ كيف يسمعهم وليسوا من جنسه ولا من نوعه؟ فاحترز من ذلك بأنه إنما حصل له معرفة ذلك بالوحي لا بالمشاهدة ، قال القرطبي : والآية تدل على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرهم ولا سمع كلامهم ، انتهى.
يحتمل أن يكون لم يسمع كلامهم أولا ثم سمع كلامهم آخرا لما أعلم به فأصغى إليه.
قوله تعالى : (عَجَباً يَهْدِي).
عبر عن العجب فإنه راجع له في نفسه.
قوله تعالى : (فَآمَنَّا بِهِ).
ابن عطية : عطفه بالفاء التي للتعقيب مع أنهم ذكروا بين السماع والهداية والإيمان ، وعطفه في الآيتين الأخريين بالواو ، والجواب : أن هذه الآية في الجن وهو في أمورهم في غاية الإسراع فهو وإن كانت مهلة هو أقرب من غيره ، وإعجاز القرآن باعتبار لفظه ، ولذلك يقول الإمام فخر الدين شرط المعجزة أن تكون حادثة ، وأما معناها فهو الكلام القديم الأزلي ، ونقل القاضي أبو بكر الوليد الباجي في البقية المسمى بالتسديد في قواعد الاسم والتوحيد أن القاضي أبا بكر الباقلاني ذهب إلى أن إعجاز القرآن باعتبار لفظه ، وباعتبار معناه القديم الأزلي ، والجمهور على خلافه ، ونحوه ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في تأليف في إعجاز القرآن الكريم وزاد أنه لا يشترط في إعجازه التحدي به إلا للعوام ، وأما علماء العرب وفصحاؤهم فهم بنفس أن يسمعوا شيئا عنه يدركون إعجازه بفطرته لما جبلوا عليه من الفطنة.
قوله تعالى : (فَآمَنَّا بِهِ).
الضمير عائد على القرآن أو على الله تعالى ، فيكونوا آمنوا أولا بوجود الله تعالى ثم وجدوه ، وفي التعبير بلفظ الرب دليل على أن حصول السمة المقومتين أو المدلول عن الدليل أمر عادي لا عقلي خلافا للمعتزلة فهو إشارة إلى رأفته ورحمته بعباده ، ولو لا ما أرشدهم ما اهتدوا إلى الإيمان.
قوله تعالى : (جَدُّ رَبِّنا).