يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [سورة النساء : ٤٨] ، وإما أن نقول هذه الآية في الكفار وليست في العصاة.
قوله تعالى : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
الزمخشري : ما معناه أن ذلك كيف قال : (بِظَلَّامٍ) ، ولم يقل : بظالم مع أن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم؟ ثم أجاب بوجهين :
الأول : أن الظلم باعتبار التعلق ، فيقال : ما زيد بظالم لغيره لأنه عبد واحد ، وما زيد بظلام لعبيده ، فتبالغ في النفي لأنهم عبيد كثيرون ، فالمبالغة باعتبار المتعلق ، انتهى ، يلزم عليه سبب النفي المفهوم وهو أن لا يكون ظالما لمجموع عبيده فيكون ظالما لبعضهم.
قال : الجواب الثاني : أن الكبير العظيم من الناس إذا اتصف بقليل الذم فهو في حقه عظيم ، فلو تصور الظاهر من الله تعالى لما كان عظيما ، قال الشاعر :
العيب في العالم المحقور محقور |
|
وفي ذوي الشرف المشهور منشور |
كفوقة الظفر تخفى من حقارتها |
|
ومثلها في سواد العين مشهور |
انتهى.
وقال امرئ القيس :
يغطّ غطيط البكر شدّ خناقه |
|
ليقتلني والمرء ليس بقتال |
معناه : لا يقدر على قتلي إلا من هو قتال لا من هو قاتل ، فلا يقتلني إلا من اتصف بأبلغ القتل وأعلى درجاته ، وهذا الذي يطمع نفسه بقتلي لم يبلغ إلى أن يوصف بقتال.
وقال الآمدي في شرح الجزولية : فإن قيل : يظهر من قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أن فعالا ليس للمبالغة إذ لو كان كذلك لاقتضى مفهومه إثبات قليل الظلم ، فالجواب : أن التكثير في الفعل على وجهين :
أحدهما : أن يكون المفعول جماعة ، تقول : جرحت الزيدين ولم يتكرر الفعل في كل واحد ، والآية من هذا والمراد من أن تكون كررته في المفعول ، تقول : جرحت زيدا ، ولما خفي هذا على الحريري.
قال في درة الفؤاد : له الصفة المذمومة قليلها في حق العظيم كثير ، كقوله : العيب في العالم المحقور محقور ، والصحيح ما تقدم ، انتهى ، بل الصحيح ما قال الحريري