سورة الذاريات
قوله تعالى : (وَالذَّارِياتِ).
قال ابن عرفة : أكد (الذَّارِياتِ) بالمصدر ولم يذكر مفعولها ، وذكر مفعول الحاملات ولم يؤكدها بالمصدر فما السر في ذلك؟ قال : والجواب : أن الحمل لما كان حامله محسوسا مشاهدا حصل العلم بمحمول ما بالإطلاق ، ولما كانت القرابة في شدة المحمول وقوته ، صرح بمفعول يناسبه وهو العظيم الثقل فيستلزم قوة حامله ، ولما كان لقاء الذاريات صالحا للقوة ، والفعل أكده بالمصدر ليفيد أنها بالقوة والفعل.
قوله تعالى : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ).
أخذ من هنا بعضهم إذ اللازم في قول القائل : أنت طالق فأنت طالق فأنت طالق واحدة ، وتقريره أن هذه الألفاظ مقتضيات للطلاق ، وألفاظ القسم مقتضيات للجواب ، والأصل تعدد المقتضي لتعدد المقتضى ، فلما اكتفى بهذه القسم هنا بجواب : واحد لزم كذلك في الطلاق ، قال : والجواب : عن هذا بأن اقتضاء القسم للجواب أمر لغوي لفظي ، لأن عند قوله تعالى : (فَالْحامِلاتِ) ولم بالجواب لما أفاد شيئا.
قال ابن عرفة : الفائدة الآية واقتضاء الطلاق لزوال العصمة أمر شرعي ، بدليل أنه لو سكت عند قوله أولا أنت طالق لترتب الحكم عليه بالطلاق ، ولو سكت عند قوله : (وَالذَّارِياتِ فَالْحامِلاتِ) ولم يأت الجواب لما أفاد شيئا.
قال ابن عرفة : وفي هذه الآية رد على من يقول لا يلزم المجتهد أن يحفظ من القرآن إلا آية الأحكام لاحتمال استنباط هذه الحكم ، أعني لزوم واحدة الطلاق فهذا الوجه وهو حكم شرعي وعدم حرمة اليمين بغير الله تعالى.
قوله تعالى : (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ).
لا شك في وقوع الموعود به للزومية صدق الوعد سمعا فما السر في التصريح به.
قوله تعالى : (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) ولم يقل : إنكم لذو قول مختلف مع أن ذو تدل على اتصاف القائل باختلاف القول حقيقة ، فإنما عدل إلى اللفظ في الدال على ظرفية القول للقائل لأنه يلتزم اختلاف القائلين في القول ، ويلزم التناقض بقوله : مختلف فهو أبلغ في القرابة ، ولذلك أكده باللام ولم أريد مجرد الاختلاف لما كان فيه قرابة لأن مطلق اختلاف القول معلوم عندهم.