قال الزمخشري : ويكون التأكيد بالثاني أبلغ ، وإما لاختلاف المعنى فالأول علمهم بالبرزخ ، والثاني علمهم بالقيامة ، وإما لاختلاف العلمين فالأول في الكفار والثاني في العصاة ، نقله ابن عطية ، وضعف ابن عرفة الأول ؛ لأن النحويين فرقوا بين العطف والتوكيد اللفظي في الجمل ، كقول المؤذن ، الله أكبر الله أكبر وليس فيه ، وضعف الأخير لقول الزمخشري : إن الإتيان مبالغة في التأكيد ، وأن الثاني أبلغ من الأول فلو قال الأول في العصاة والثاني في الكفار لكان صوابا.
قوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ).
كلا زجر لما تقدم فيتوقف قبلها ، ابن عرفة : ويحتمل أن يكون زجرا لمعنى لما بعد عاد لا سيما عند من يقول : أن لو أن نفيها إيجاب وإيجابها نفي ؛ لأن المعنى : لو تعلمون علم اليقين لانزجرتم (١) فيدل على أنهم لم يعلمون ذلك وغفلوا عنه فزجرهم على عدم العلم.
قوله تعالى : (عِلْمَ الْيَقِينِ).
من إضافة الصفة إلى الموصوف ، ابن عرفة : فيه عندي دليل على أن العلوم الحادثة متفاوتة ، وهي مسألة خلاف بين الأصوليين ، وهما مسألتان في أصول الدين ، فقيل : إن العلوم كلها متساوية ، وقيل مختلفة ، ومنهم من جعل الخلاف لفظا ، وقال بعضهم : أما في دلالة العلم فلا تفاوت بينهما أصلا ، وأما بالنسبة إلى الطرق المحصلة إلى العلم فلا يشك في ......... (٢) ضروري ونظري فالضروري لا يعرض له وهم ولا تشكيك ، والنظري يعرض فيه التشكيك والمخالفة في الاستدلال ، فهذا إذا كان راجعا إلى الآخرة فهو ضروري ، وهو أقوى العلوم فلذلك قال : علم اليقين ، وقد تقدم في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) [سورة البقرة : ٤٦] (وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) [سورة التوبة : ١١٨] (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) [سورة الحاقة : ٢٠] وتقدم أنه إن أريد نفس وقوع ما تعلق به الظن وهو بمعنى العلم ، وإن أريد بالظن وقته فهو على بابه.
قوله تعالى : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ).
__________________
(١) الزجر : هو الطرد والنهر والمنع. القاموس المحيط مادة : (ز ج ر) ، لسان العرب (ز ج ر).
(٢) بياض في المخطوطة.