قوله تعالى : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ).
تضمنت الآية أمرين :
الأول : أنهم حصل لهم العلم بأن الله تعالى موصوف بالحياة والعلم والقدرة والكلام لتعبيرهم بالإرادة ، ولم يقولوا : أشر يقع بمن في الأرض ، والإرادة تستلزم هذه الصفات كلها.
الثاني : أنهم حذفوا الفاعل على جهة الأدب مع الله في نسبة الشر إليه ؛ مع أن الكل من فعله وخلقه جل وعلا وعمموا الإرادة ، ولم يقولوا : أريد بنا ، وحمل الزمخشري على ذلك عاقبة الأمر ؛ أي لا يعلم هل يختم لهم بالإيمان أو بالكفر ، وهذا بناء منه على أنهم هدوا بعد ما آمنوا ، وحمله ابن عطية على حالتهم تلك ؛ أي لا نعلم هل يؤمن أهل الأرض يؤمن أو يدوموا على كفرهم وهم بناء على أنهم قالوا ذلك قبل أن يؤمنوا أو تكون الآية حكاية حال ماهية ، وعبروا بالرشد ؛ لأنه أخص واستعمال الأخص في الثبوت أولى من الأعم ، أو لأن ذلك كان في زمن النبوة حالة وجود المرشد إلى طريق الجنة ، وأول الآية يقتضي عمومية الفاعل والجهل بالمفعول وهو المراد ، وأخرها وهو قوله تعالى : (أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) يقتضي عمومية المفعول وحذف الفاعل من الأول دون الثاني تأدبا مع الله تعالى في نسبة الخير إليه دون الشر ، وإن كان الكل من فعله.
قوله تعالى : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ).
إن كان المعنى ، ومنا المقاربون لهم فلا يكون تقسيما مستوفيا ، وإن كان المعنى :
ومنا الكافرون فيكون مستوفيا.
قوله تعالى : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ).
ابن عطية والزمخشري : الظن هنا بمعنى العلم ، انتهى ؛ بل هو على بابه ويدل على ذلك ثلاثة أمور :
الأول : أنه تقرر في علم أصول الدين الاختلاف فيمن يجزم بنفي الصفات عن البارئ تعالى ، هل هو كافر أو لا؟ وذلك أيضا من يشك فيها.
الثاني : أنهم اعتقدوا ذلك في أول أمرهم من غير جزمهم ثم لما تمكن الإسلام في قلوبهم جزموا بذلك ، فقالوا : ولم نعجزه هربا.