الثالث : أن الظن ليس متعلقا بعدم الإعجاز المطلق بل يفيد كونه في الأرض فهم جزموا بأنهم لا يعجزون الله تعالى بالإطلاق ، وظنوا أنهم لا يعجزونه في الأرض ؛ أي جزموا أنه يهلكهم ، وينتقم منهم ، وظنوا أنهم إنما ينتقم منهم في الأرض كما نعلم أن الله يميت زيدا ، ونشك هل يميته بعكا أو بالمدينة أو بغيرهما.
قوله تعالى : (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً).
إما معطوف على (وَأَنَّا ظَنَنَّا) فلا يكون مظنونا بل مستأنف ، وإما على أن (نُعْجِزَ اللهَ) فيكون مظنونا ؛ أي وظننا أن لن نعجزه هربا ، وفي الآية إبطال لمذهب الحكماء القائلين أن الجن جواهر مفارقة لا متحيزة ولا قائمة بالتحيز ، لأن المعذب من عوارض الأجسام إذ هو الانتقال بسرعة ، وذلك عين الحركة.
قوله تعالى : (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى).
أي سبب الهدى.
قوله تعالى : (فَلا يَخافُ).
الزمخشري : أي فهو لا يخاف ، قال : وفائدة تقرير الضمير الدلالة على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة ، وأنه هو المختص بذلك دون غيره ، انتهى ، يتقرر الأول بأن الشرط لما كان يصح ترتيب الأمر المحال عليه قدر ذلك بما يدل على ثبوت عدم الخوف وتحقق الطمأنينة ، وتقرير الثاني أن البناء على المضمر يفيد الاختصاص ، فإن قلت : لا حاجة إلى المضمر لأن الاختصاص مستفاد من مفهوم الشرط ، قلت : يكون تأكيدا وتحقيقا ، فإن قلت : البخس أعم فهلا اكتفى به عن الرهق ، قلت : البخس للمؤمن المتقي ، والرهق للفاسق ، فلم يتحد المتعلق ، ولا يخاف إما نهي أو نفي ، فالنهي ظاهر وأما النفي سقط ، فإن قلت : يلزم عليه الخلف في الخير ، قلت : هو معلق على وصف مناسب معانيه ثبت عدم الخوف ، والآية في قراءة الشكل الأول وتقريره السامع للهدى آمن به ، وكل من آمن به لا يخاف بخسا ، فالسامع للهدى لا يخاف بخسا.
قوله تعالى : (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ).
عبر أولا بالإيمان وهنا بالأخص منه وهو الإسلام كما في حديث الحذر.
قوله تعالى : (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً).