الثاني : أن متعلق الوصية هنا مطلوب شرعا وهو البر ومتعلقها هناك غير مطلوب لأن الأولاد غير مطلوبين شرعا ، إنما المطلوب الفصل بينهم وما يقع به الفصل وهم محل لذلك الفصل ، فالوصية فيهم بالفصل بينهم بكذا وكذا.
قوله تعالى : (بِوالِدَيْهِ).
ولم يقل : بأبويه إشارة لمن وقعت صفة الولادة ، وتغليبا لحق الأم على حق الأب ، وفيه تنبيه على أن حقها أكثر من حق الأب ، فإذا أمرته أن يكلف لها بحاجة وأمره أبوه بحاجة فإنه يجعل ثلاثة أرباع لأمه وربعه لأبيه.
قوله تعالى : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً).
يريد مشقة الحمل من زمن الإحساس به لا من أوله.
فإن قلت : ذكر أسباب الأمر بطاعة الأب ، فقد قال في سورة البقرة (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [سورة البقرة : ٢٣٣] ، وفي سورة الطلاق (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) [سورة الطلاق : ٦] فهلا قال : وأنفق عليه أبوه وكساه ، فعادتهم يجيبون : بأن أسباب طاعة الأم راجعة إلى مشقة بدنها ، وأسباب طاعة الأب رجعة إلى مشقة بذل المال ، وجنس الأول أشرف من جنس الثاني لأن حفظ النفوس أكد من حفظ الأموال ، ولذلك أكد الأمر بطاعة الأم فذكر سببه لشرف جنسه ، ولم يؤكد الأمر بطاعة الأب بذكر سببه.
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ).
اختلفوا في حد بلوغ الأشد.
فقال ابن إسحاق : ثمانية عشر ، وقيل : عشرون ، ابن عباس وقتادة : ثلاثة وثلاثون ، الجمهور : ستة وثلاثون. وقال : أربعون.
ابن عرفة : فعلى أنه ثمانية عشر يكون المعنى العجز عن القيام بنفسه ، وعلى أنه أكثر يكون التقدير في كامل خلقه (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ).
قوله تعالى : (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً).
عطف تفسير ، لقوله تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) [سورة التوبة : ٦١] واحتج علي بن أبي طالب بهذه الآية على أن أقل الحمل ستة أشهر ، فأتت امرأة بولد لأقل من ستة أشهر فألحقه عمر بالثاني ، فرد عليه علي فرجع إليه وألحقه بالأول ، واستدل بهذه الآية ، وكذلك حكم عمر بإقامته على امرأة