تحصيل ذلك فأجزأ في الحال ، وإذا قال لنا : انفقوا كذا في كذا لا يمكننا إيقاعه ، إلا بعد تراخ ، فناسب دخول أن هنا مخلصة للاستقبال ، ومؤكدة له.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
إشارة إلى أن المال الذي عندهم إنما هو عارية فعليهم بإنفاقه في سبيل الخيرات ، لأنه زائل عنهم.
قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي).
الآية إن كانت نزلت قبل الفتح فواضح كونها تحريضا على الإنفاق ، والقتال في تحصيل ثوابها ، وإن كانت بعد الفتح ففهم كونها تحريضا فيه صعوبة ، بل المتبادر للمفهوم أنها تحرض على تلافي ما مضى ، فالجواب : أن الآية لما تضمنت تشريف القسم المقابل كان تحريضا ، إذ هم عام في البعدية إلى يوم القيامة أو مقابل قوله (مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) ، وهذه البعدية صادقة في سائر الأزمان فينبغي للمكلف تحصيل صادقيتها ليكون أحد المقابلين للأفضل ، ونص في الآية على نفي مساواة من جمع الوصفين ، قبل الفتح لفعل مثله بعده ، فمن أنفق قبله ، ولم يقاتل ، هل يساوي من قاتل بعده ولم ينفق؟ لأن بذل النفس أعظم ثوابا من بذل المال ، فهل يعدل فضيلة ذلك فضل السبقية أولا فيه نظر ، فإن قلت : من في قوله (مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) ، وقوله (مِنْ بَعْدُ) لابتداء الغاية ، فهي لأول أزمنة القبلية والبعدية ، وتضمنت الآية نفي مساواة من أنفق في أول الأزمنة المتقدمة على الفتح ، لمن أنفق في أول الأزمنة المتأخرة عنه ، مع أن المساواة منتفية بين من أنفق قبله مطلقا ، وبين من أنفق بعده مطلقا ، فالجواب : أن كل ما ثبت لأحد المتساوين ثبت للآخر ، ومن إنما دخلت لتأكيد معنى السبقية ، وهذا يقع في القرآن على وجهين ، فتارة تنفي المساواة ويعين وجه المفاضلة بينهما كهذه الآية ، وكقوله تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) [سورة الحشر : ٢٠] ، وتارة لا يعين وجه التفاوت بينهما ، كقوله تعالى : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [سورة المائدة : ١٠٠] ، وقوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) [سورة فاطر : ١٩ ـ ٢١] ، الفخر في المحصول : قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) [سورة الحشر : ٢٠] ، لفظ المساواة بينهم في الآية مطلق ، فهو أعم من عدم استوائهم في الأحكام الأخروية من النعم والعذاب ، أو في الأحكام الدنيوية من القصاص ، والإجرام وغيره ، والأعم لا شعار له بالأخص ، وبنى عليه مساواة الكافر للمؤمن في