وأجيب عن الأول
بأن الوجوه محل الإبصار والإبصار محل الرؤية وآلة لها ، فالوجوه محل للرؤية وآلة
لها ، ودل على ذلك استعمال العرب كقول القائل :
وجوه ناظرات
يوم بدر
|
|
إلى الرحمن
تنتظر الفلاحا
|
وقول
الآخر :
وفى يوم بدر
قد رأيت وجوههم
|
|
إلى الموت من
وقع السيوف نواظرا
|
فقد أضاف النظر
إلى الوجوه ، وعن الثاني بأن وضع اللغة أن النظر المقرر بإلى يقتضي الرؤية ، فإن
لم يكن موضوع اللغة فأكثر استعمال العرب عليه نحو قوله :
نظرت إلى من
حسن الله وجهه
|
|
...
|
وقوله
:
نظروا إليك
بأعين محمرة
|
|
نظر التيوس
إلى شفار الجازر
|
وهو كثير ، وهو
يحصل المقصود ؛ ولأن غلبة استعماله تدل على أنه الحقيقة.
فأما
: (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا
يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١٩٨) [الأعراف : ١٩٨] فلم يكن عدم الإبصار لعدم اقتضاء اللفظ له ، بل لأن
المشار إليهم هم الأصنام وهم جماد ليس لهم آلة الإبصار كما سبق في آخر «الأعراف» ،
وعن الثالث بأنه خلاف المتبادر إلى فهم كل سامع ، والصحابة ومن بعدهم إنما فهموا
أن إلى حرف جر حتى ظهر المعتزلة بتأويله ، ثم إن ما ذكروه لا يصح ؛ لأن الكلام وهم
في الجنة والنظر إلى النعيم فيها لا يعد نعمة ؛ إنما ذلك الموضع محل تناول النعم
والالتذاذ بها لا محل النظر إليها ، وانتظارها هناك غير مناسب ؛ لأن الانتظار ـ كما
قيل يورث الصغار ، ثم إن النعم في الجنة حاصلة فانتظار مناف لحصولها أو تحصيل
الحاصل.
قوله
: ما ذكرتموه ،
ظاهر في الرؤية ، قلنا : بل قاطع لتبادر الفهم / [٢١٢ أ / م] إليه ، وإجماع السلف
على فهم الرؤية منه ، وهم أهل العصمة الإجماعية واللسان العربي ، سلمنا أنه ظاهر
لكن لا نسلم أن عندكم قاطعا يعارضه.
قوله
: إن الرؤية
تقليب الحدقة إلى جهة المرئي.
قلنا
: هذا على
اختلاله لا يضر ؛ لأن مثبتي الجهة يلتزمونها ، ووجه اختلال هذا القول أن الرؤية
ليس نفس تقليب الحدقة بل هي نوع إدراك يلزمه تقليب الحدقة فتقليب الحدقة من لوازم
الرؤية لا أنه نفسها ، وأما من لا يثبت / [٤٣٧ / ل] الجهة كالأشعرية ، فإنهم
يفسرون الرؤية بنوع كشف نسبته إلى الرب ـ عزوجل ـ كنسبة الرؤية إلى المرئيات.