عزوجل ـ حيث ذكرهما قدم الشمس ، ولأنها أوسط مكانا في السماء وأعلى من القمر وأسعد منه.
واحتج من فضل القمر بأنه مذكر ، وهو أسرع حركة وجولانا في الفلك ، ومدار الحساب على تمامه ونقصانه أكثر ، وهو في ذلك أعجب ، وهو أقل ضررا من الشمس ونحو هذا من الوجوه ، ولا شيء منها يعارض ما ذكر للشمس.
(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (١٥) [القيامة : ١٤ ، ١٥] أي : يشهد على نفسه وتشهد عليه جوارحه كما مر ، فلو اعتذر بما أمكنه لم ينفعه مع شهادة نفسه عليه.
(فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١٩) [القيامة : ١٨ ، ١٩] يحتج به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب ؛ لأن ثم للتراخي ، وقد دلت على تأخير البيان عن وقت القراءة ، وقد سبق نظيره أول هود.
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) [القيامة : ٢٢ ـ ٢٣] وهذه عمدة الجمهور في إثبات رؤية الله ـ عزوجل ـ في الآخرة ؛ لأن النظر المقرون بإلى يقتضي الرؤية لغة ، وقد تضمنت الآية ذلك فكانت مقتضية للرؤية.
واعترض المعتزلة بأن قالوا : النظر هاهنا مضاف إلى الوجوه وليست آلة للرؤية ولا محلا لها ، سلمناه لكن لا يعلم أن اقتران النظر بإلى يقتضي الرؤية ، بدليل قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١٩٨) [الأعراف : ١٩٨] فاقترن النظر بإلى مع نفي الإبصار والرؤية ، سلمناه ولكن لا نسلم أن هاهنا حرف جر ، وإنما هو اسم / [٢١١ ب / م] وهو أحد الآلاء وهي النعم ، نحو : معى وأمعاء ، والتقدير وجوه يومئذ ناضرة ، نعمة ربها ناظرة أو منتظرة ؛ لأنها تفرح بما ترى من أمارات الثواب ، وهي تراه وتنتظره ، سلمناه لكن ما ذكرتموه إنما هو ظاهر في الرؤية فلا يعارض القاطع في نفيها ، وهو أن الرؤية تقليب الحدقة إلى جهة المرئي واتصال شعاع البصر به وذلك مستلزم للجسمية ، فالرؤية لا تتصور إلا على رأي المجسمة أو على رأي الاتحادية الذين يجيزون أن يظهر الحق ـ عزوجل ـ في المظاهر والأطوار ، فيظهر في مظهر جسماني / [٤٣٦ / ل] فيرى ، كما ورد أنه يأتيهم في صورة ينكرونها ثم في صورة يعرفونها ، ويكشف لهم عن ساقه فيخرون سجدا ، لكن التجسيم والاتحاد باطلان عند الجمهور.