قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الإشارات الإلهيّة إلى المباحث الأصوليّة

الإشارات الإلهيّة إلى المباحث الأصوليّة

668/696
*

وأجيب عن الأول بأن الوجوه محل الإبصار والإبصار محل الرؤية وآلة لها ، فالوجوه محل للرؤية وآلة لها ، ودل على ذلك استعمال العرب كقول القائل :

وجوه ناظرات يوم بدر

إلى الرحمن تنتظر الفلاحا

وقول الآخر :

وفى يوم بدر قد رأيت وجوههم

إلى الموت من وقع السيوف نواظرا

فقد أضاف النظر إلى الوجوه ، وعن الثاني بأن وضع اللغة أن النظر المقرر بإلى يقتضي الرؤية ، فإن لم يكن موضوع اللغة فأكثر استعمال العرب عليه نحو قوله :

نظرت إلى من حسن الله وجهه

 ...

وقوله :

نظروا إليك بأعين محمرة

نظر التيوس إلى شفار الجازر

وهو كثير ، وهو يحصل المقصود ؛ ولأن غلبة استعماله تدل على أنه الحقيقة.

فأما : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١٩٨) [الأعراف : ١٩٨] فلم يكن عدم الإبصار لعدم اقتضاء اللفظ له ، بل لأن المشار إليهم هم الأصنام وهم جماد ليس لهم آلة الإبصار كما سبق في آخر «الأعراف» ، وعن الثالث بأنه خلاف المتبادر إلى فهم كل سامع ، والصحابة ومن بعدهم إنما فهموا أن إلى حرف جر حتى ظهر المعتزلة بتأويله ، ثم إن ما ذكروه لا يصح ؛ لأن الكلام وهم في الجنة والنظر إلى النعيم فيها لا يعد نعمة ؛ إنما ذلك الموضع محل تناول النعم والالتذاذ بها لا محل النظر إليها ، وانتظارها هناك غير مناسب ؛ لأن الانتظار ـ كما قيل يورث الصغار ، ثم إن النعم في الجنة حاصلة فانتظار مناف لحصولها أو تحصيل الحاصل.

قوله : ما ذكرتموه ، ظاهر في الرؤية ، قلنا : بل قاطع لتبادر الفهم / [٢١٢ أ / م] إليه ، وإجماع السلف على فهم الرؤية منه ، وهم أهل العصمة الإجماعية واللسان العربي ، سلمنا أنه ظاهر لكن لا نسلم أن عندكم قاطعا يعارضه.

قوله : إن الرؤية تقليب الحدقة إلى جهة المرئي.

قلنا : هذا على اختلاله لا يضر ؛ لأن مثبتي الجهة يلتزمونها ، ووجه اختلال هذا القول أن الرؤية ليس نفس تقليب الحدقة بل هي نوع إدراك يلزمه تقليب الحدقة فتقليب الحدقة من لوازم الرؤية لا أنه نفسها ، وأما من لا يثبت / [٤٣٧ / ل] الجهة كالأشعرية ، فإنهم يفسرون الرؤية بنوع كشف نسبته إلى الرب ـ عزوجل ـ كنسبة الرؤية إلى المرئيات.