الْفاسِقِينَ) (٢٦) [البقرة : ٢٦].
مع قوله عزوجل : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) (٣١) [المدثر : ٣١] يقتضي أنه ـ عزوجل ـ يشاء إضلال بعض الخلق ويفعله ، خلافا للمعتزلة ، ولهم عن هذا ونحوه من كل موضع نسب الله عزوجل فيه الإضلال إلى نفسه جوابان :
أحدهما : أن هذه ظواهر سمعية ؛ / [٢١ / ل] فلا يعارض القواطع العقلية [العدلية] ـ زعموا ـ عندهم.
والثاني : أن : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٩٣) [النحل : ٩٣] يحتمل أنه بمنع الإلطاف ، ويحتمل أنه بمعنى أصابه ضالا ؛ كما يقال : أضللت دابتي : أصبتها ضالة ، وأبخلت زيدا ، وأجبنته ؛ أي : أصبته بخيلا جبانا.
ويحتمل أن يضله بخلق الإضلال فيه ، كما زعم الجبرية. وإذا تطرق إليه التأويل واحتمال الأمرين ، عاد مجملا لا حجة فيه.
والصواب أن هذه العبارة ونحوها قواطع في غالب مواقعها ؛ فلا يسمع ما ذكروه من / [١٠ / ب / م] التأويل البعيد.
قوله عزوجل : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٨) [البقرة : ٢٨]. أي : كنتم معدومين عدما أصليا ، فأوجدكم.
وقيل : كنتم نطفا فجعلكم أحياء ، ثم يميتكم الموت الطبيعي المشهور الذي يترقبه الأحياء ، ثم يحييكم بالإعادة في الآخرة.
وفي هذا إشارة إلى إثبات إعادة الخلق بعد الموت ، بالقياس على إبدائه بعد العدم الأصلي وأولى ؛ لأن الإعادة تكون بعد وجود خارجي محقق ، والإبداء إنما كان بعد عدم أصلي ليس بوجود محقق ، سواء قيل : إن المعدوم شيء ـ على رأي المعتزلة ـ أو ليس بشيء ، على رأي الجمهور.
وإلى هذه الأولوية أشار عزوجل بقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ