والثاني : وهو أن الخالق لهم غير الأمم قبلهم ـ فذلك الغير : / [١٨ / ل] إما قديم وهو المطلوب ، أو حادث : فإن أثر فيه بعض مخلوقاته لزم الدور ، أو مؤثر آخر لزم التسلسل.
وحاصله : أنكم ومن قبلكم مخلوقون ، فلا بد لكم من خالق قديم : «فالخالق» : احتراز من التعطيل ، و «القديم» احتراز من لزوم الدور والتسلسل.
فائدة :
الدور : توقف وجود الشيء على نفسه : إما بغير واسطة ، أو بواسطة متحدة ؛ كتوقف «أ» على «ب» و «ب» على «أ» أو متعددة ، إما متناهية ؛ كتوقف «أ» / [٩ / ب / م] على «ب» و «ب» على «ج» و «ج» على «د» ، و «د» على «ه» ، [و «ه» على «أ»] أو غير متناهية ؛ كتوقف «ه» على «ز» ، وتوقف «ز» على «ح» وهلم جرا ، إلى غير النهاية ، وهو محال.
والتسلسل : تعلق كل سبب بآخر قبله وتوقفه عليه ، إلى غير النهاية ، وهو محال.
وعلى حدوث العالم ووجود الصانع أسئلة يأتي منها ما اعترض لنا ، إن شاء الله عزوجل.
قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٢) [البقرة : ٢٢] ، فيه تنبيه على كيفية النظر ، وكيفيته تستدعي تحققه ووجوبه ، وسيأتي بيانه ـ إن شاء الله عزوجل ـ وقد سبق حد النظر ، وهو يفضي في وجود الصانع وحدوث العالم إلى ما سبق من الاستدلال بدليل الدور والتسلسل ، وقد احتج النبي صلىاللهعليهوسلم بهما ، إذ قيل له حين قال : «لا عدوى» ـ : يا رسول الله ، ما بال الإبل ـ تكون كالظباء فيخالطها البعير الأجرب فتجرب؟ قال : «فمن أعدى الأول؟!» (١) يعني : لو كان كل أجرب يستدعي أجرب يعديه لزم تسلسل الجربى ، لكنه باطل بالعيان ؛ إذ البعير الأول لم يستدع أجرب يعديه.
أو يقال : لو كانت العدوى لازمة ، لكان البعير الأول : إما أن تعديه الإبل التي أعداها هو ؛ فيلزم الدور ، أو غيره فيلزم التسلسل. وانظر إلى قوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : «فمن أعدى الأول؟» مع قوله عزوجل ـ : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ
__________________
(١) رواه البخاري [٥ / ٢١٦١] [٥٣٨٧] ورواه مسلم [١٤ / ١٧٤٢] ج [٢٢٢٠].