ويجيب القدرية بأن معنى كون الهدى من ربهم أنه بسبب إلطافه بهم وتوفيقهم ، لا أنه خلقه فيهم ، وهو خلاف الظاهر.
قوله ـ عزوجل ـ : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) هو عند الجمهور بخلق الكفر فيها فتبقى كالوعاء المختوم لا يدخلها الإيمان.
وقيل : القلب جسم مجوف ، ونور العقل والمعرفة ينزل عليه من الدماغ ما دام مفتوحا ، فإذا طبع عليه بما شاء الله ـ عزوجل ـ امتنع نور المعرفة من الدخول فيه ، فأظلم وضل.
والختم عند المعتزلة [إما بمنع] اللطف أو بتسمية العبد مختوما على قلبه. وهو بعيد جدا لا يعول على مثله.
والختم على القلب ألا يعقل فيؤمن ، وعلى السمع ألا يسمع فيعقل ، وعلى البصر ألا ينظر في آيات الله ـ عزوجل ـ وعجائب الملكوت فيعتبر.
قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) اختلف في الأعمال طاعة ومعصية ؛ هل هي علة للجزاء : ثوابا وعقابا ، أو سبب لا علة موجبة؟.
قالت المعتزلة بالأول ، والجمهور بالثاني ، والآية محتملة لهما ؛ لأن قولك : «عذبت زيدا بكذبه ، وضربته بسوء أدبه» يحتمل العلية والسببية ، والفرق بينهما أن العلة موجبة لمعلولها بخلاف السبب لمسببه فهو كالأمارة عليه.
ومن هاهنا اختلف في الحج عن الغير لعذر ، هل يصح أم لا؟ فمن رأى العمل علة قال : لا يصح ؛ لأن عمل زيد لا يكون علة لبراءة ذمة عمرو ، أو لحصول الثواب له. ومن رآه سببا قال : يصحّ ؛ لأن عمل زيد جاز أن يكون سببا لبراءة ذمة عمرو ، وعلما على حصول الأجر له.
قوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٢١) [البقرة : ٢١] ، قيل : هذا إشارة إلى حدوث العالم وقدم الصانع ، وتقريره : أن هؤلاء الكفار قد سلموا أنهم مخلوقون ؛ لقوله عزوجل : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٨٧) [الزخرف : ٨٧] فالخالق لهم : إما أنفسهم ، وهو محال ؛ لما مر ، أو غيرهم. وذلك الغير : إما من قبلهم من الأمم ، أو غيرهم ، والأول باطل ؛ لأن الخالق لمن قبلهم إن كان هؤلاء المخاطبين لزم الدور ، أو غيرهم من الأمم ذاهبا إلى غير النهاية لزم التسلسل.