بقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) (٣٥) [محمد : ٣٥] غير أن لقائل أن يقول : معية أبي بكر [رضوان الله عنه] أخص من هذه ، فيمتاز بها.
الوجه الثالث : (ثانِيَ اثْنَيْنِ) [التوبة : ٤٠] قالوا : فيه إشارة إلى شيئين :
أحدهما : أنه ثانيه من بعده في الإمرة.
الثاني : أن اسمه لم يفارق اسمه ؛ إذ كان يقال له : خليفة رسول الله ، حتى توفي ، فقيل لمن بعده ـ وهو عمر ـ رضي الله عنه ـ : أمير المؤمنين ، وانقطعت خصيصة (ثانِيَ اثْنَيْنِ) [التوبة : ٤٠].
الوجه الرابع : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) [التوبة : ٤٠] قال بعضهم : الضمير في (عليه) لأبي بكر ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم تفارقه السكينة أبدا حتى يحتاج إلى نزولها عليه ، وإنما أنزلت على أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وهو ضعيف ، أما أولا فلقوله ـ عزوجل ـ :
(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٢٦) [الفتح : ٢٦] فقد أنزلت عليه صلىاللهعليهوسلم السكينة مع ما ذكروه من عدم مفارقتها له ، ولا امتناع من أن يزاد سكينة على سكينة ، ونورا على نور ، وأما ثانيا :
فلأن ذلك يقتضي أن الضمير في (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) [التوبة : ٤٠] لأبي بكر أيضا ، وهو خلاف الظاهر / [٢١٤ / ل] بل القاطع ، ولا أظن أحدا قال بذلك.
أما الشيعة فطعنوا على أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ من الآية بوجه واحد ، وهو قوله : (لا تَحْزَنْ) [التوبة : ٤٠] دل على أنه حزن لأجل طلب الكفار لهما مع أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعين الله تحت رعاية الله ، وقد سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يخبر بأنه سيظهر على أعدائه ويظهر دينه على جميع الأديان ؛ فحزن أبي بكر والحالة هذه ، إما شك في هذا الخبر ، أو ضعف منه وخور.
قالوا : وإنما الشجاع المؤمن واللبيب الموقن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ حيث كان حينئذ نائما على فراش النبي صلىاللهعليهوسلم / [١٠٠ أ / م] معرضا نفسه من أيدي الكفار لشرب كئوس الحمام ، فما شك وما خار ، ولا تبلد ذهنه ولا حار.
وأجاب أهل السّنّة بأن حزن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ لم يكن ضعفا ولا شكا ، وإنما