كان رقة غالبة وشفقة على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولو كان ذلك عن شك أو ضعف لكان أولى ما صدر منه يوم بدر حين قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد» (١) وأبو بكر آخذ بردائه يقول : كفاك مناشدتك ربك ، إن الله سينجز لك ما وعدك. وهذا غاية الشجاعة ، والإيمان ثبوت الجنان عند قراع الأقران.
(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) (٤٣) [التوبة : ٤٣] يحتج بها على أمرين :
أحدهما : كرامة النبي صلىاللهعليهوسلم على ربه ؛ حيث بدأه بالعفو قبل العتاب. وقيل : لو لا ذلك لتقطع قبله صلىاللهعليهوسلم فرقا وخشية من الله ـ عزوجل ـ.
الثاني : الخطأ في الاجتهاد حيث أذن لهم في التخلف عن الغزو في غير موضع الإذن ، بدليل أنه عوتب عليه ؛ وجوابه ما سبق في آخر الأنفال.
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) (٤٦) [التوبة : ٤٦] فيه مسائل :
الأولى : إثبات الكراهة صفة لله ـ عزوجل ـ ثم هل هي ذاتية أو فعلية؟ فيه خلاف ، ويحتمل أن كراهته للشيء عبارة عن سلب إرادته له ، أو عن إرادة / [٢١٥ / ل] سلبه.
الثانية : أن تثبيط هؤلاء هو تحليل عزائمهم بما يخل [ق : في قلوبهم] من دواعي القعود والصوارف عن الخروج ، ثم إن تثبيطه لا بد وأن يكون مؤثرا ، إما وحده فيكون حجة للمجبرة ، أو مع فعل العبد كما يقوله المعتزلة ؛ فيلزم المقدور بين قادرين واستحقاق جزء من التجويز ، بحسب للتثبيط من التأثير وهما باطلان ، وقد سبق تقرير هذا في آخر الأعراف.
الثالثة : (وَقِيلَ اقْعُدُوا) [التوبة : ٤٦] ظاهره التناقض مع قوله لهم (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) [التوبة : ٤١] وجوابه : أن قوله (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) [التوبة : ٤١] بلسان التكليف ، و (وَقِيلَ اقْعُدُوا) [التوبة : ٤٦] بلسان التقدير والتكوين ؛ فلا تناقض.
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (٥١) [التوبة : ٥١] هذا أصل في التفويض والتسليم لتقدير العزيز العليم ،
__________________
(١) رواه مسلم [٣ / ١٣٨٣] ح [١٧٦٣].