احتج بها التناسخية ؛ وهم القائلون بتناسخ أرواح الحيوان بعضها في أجساد بعض بعد موته ، ووجه استدلالهم بها أنها تضمنت أن الدواب والطير أمم أمثال الناس ، وإنما يكونون أمثال الناس بتقدير أنهم كانوا على مثل حالهم ، ثم انتقلوا إلى صور الدواب والطير / [١٦١ / ل] ، وذلك معنى التناسخ.
وجوابه : أن التناسخ على رأي أهله قد تقرر في الكلام والحكمة أنه محال ، وأما هذه الآية فليست نصا فيه ولا ظاهرا ، فلا وجه للاستدلال بها عليه ، ولكن الأشياء نسبة فدليلهم كمدلولهم في الضعف والبعد عن العقل ، والآية تحتمل وجوها.
أحدها : أن الدواب والطير أمثالنا في العبادة ، بدليل (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) (٤١) [النور : ٤١] ، (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (٤٤) [الإسراء : ٤٤].
الثاني : أنهم مثلنا في التكليف وإرسال الرسل فيهم ، بدليل (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (٣٦) / [٧٦ أ / م]) [النحل : ٣٦]. على ما ذهب إليه بعضهم في عمومه في أمم العقلاء ، وغيرهم.
الثالث : أنهم أمثالنا في أنهم عقلاء مدركون ، على ما ذهب إليه قوم.
الرابع : أنهم أمثالنا في أنهم يرزقون ، بدليل (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦) [هود : ٦] ، (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦٠) [العنكبوت : ٦٠].
الخامس : أنهم أمثالنا في أنهم يبعثون ، ويحشرون كما دل عليه آخر الآية ، ويحتمل غير ذلك مما يستبد الله ـ عزوجل ـ بعلمه ، [ومع هذه الاحتمالات القريبة الظاهرة ، أي شيء يبقى للتناسخ البعيد عنها يحتج عليه منها].
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي