بالمناسبة المجردة ، فهو منقوض نقضا كليا وجزئيا.
أما نقضه الكلي ؛ فإن العناصر الأربعة التي هي أمهات العالم كل واحد منها يصدر عنه خير وشر مع أنه واحد ، فالنار تنضج الطبيخ والخبز وهو خير ، وتحرق الثياب ونحوها وهو شر ، والهواء ينفس عن الحيوان ويدفع نتن الفضاء ونحوه من منافعه وهو خير ، ويعصف ويشتد ؛ فيهدم البيوت ويحطم الأشجار ونحوه من مضاره ، / [١٥٤ / ل] وهو شر ، والماء يروي العطشان ، ويطهر المغتسل ، ويبرد جسم المتبرد به وهو خير ، ويغرق كثيرا من الناس والحيوان كما فعل الطوفان وذلك شر ، والأرض تقل الحيوان أن يغور فيها ، ويخرج منها الزرع والنبات والمعادن ، وهو خير ، وإذا استولى جرم منها على حيوان قتله غما ، وهو شر.
وأما نقضه الجزئي : فقل شيء يعتبر حاله إلا وفي طيه ضر ونفع ، وخير وشر ؛ كالسباع هي ضارة بالافتراس ، نافعة بما فيها من الخواص ، والأفعى ونحوها من ذوات السموم فيها السم الضار ، والدرياق النافع ، ونحو ذلك كثير ؛ فبطل قولكم في وجوب تعدد المبدأ.
ثم قولكم : ليس أولى بهما من النور والظلمة ، معارض بأن السماء والأرض أولى بهما ؛ لأن السماء شفافة علوية لطيفة فهي خير ، والأرض سفلية كثيفة ، فهي شر ، وهما أصلان ، أو كالأصلين للنور والظلمة.
ومما يناقضون به أن النهار فاضح بنوره ، والليل كاتم بظلمته ، وذلك شر صادر عن الخير ، وخير صدر / [٧٣ أ / م] عن شر ، ومن ثم قال الشاعر :
لا تلق إلا بليل من تواصله |
|
فالشمس نمامة والليل قواد |
وقال الآخر في صفة هارب تحت الليل :
وكم لظلام الليل عندك من يد |
|
تخبر أن المانوية تكذب |
وهم أصحاب ماني الزنديق ، طائفة من المجوس ، وأيضا لو كان النور والظلمة إلهين لكانا مؤثرين فيما يحدث فيهما ؛ فلو ولد مولود في النور وآخر في الظلمة أمكن في العقل أن يكونا خيرين [أو شريرين ، أو أحدهما خيرا والآخر شريرا ، فبتقدير أن يكونا خيرين] يلزم صدور الخير عن الظلمة الشريرة ، وبتقدير أن يكونا شريرين يلزم صدور الشر عن النور والخير ، وبتقدير أن يكون المولود في [النور : شريرا و] الآخر خيرا يلزم الأمران جميعا ، وكل ذلك ما ينقض قولهم ويهدم أصلهم.
(وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) (٣) [الأنعام : ٣] اختلف في الوقف على السماوات بناء على إثبات الجهة وعدمه ، وهو /