القول في سورة الأنعام
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١) [الأنعام : ١] اختلف في أيهما خلق أولا؟ على قولين مشهورين ممكنين تضمنهما القرآن ، كما سيأتي في موضعه إن شاء الله ـ عزوجل.
(وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام : ١] فيه سؤالان : أحدهما [لم قدّم] الظلمات على النور؟
وجوابه : أن الظلمة أمر عدمي ؛ إذ هي عدم الاستنارة عما من شأنه / [١٥٣ / ل] أن يستنير ، والنور أمر وجودي ، والعدم قبل الوجود.
الثاني : لم جمع الظلمات ووحد النور؟
والجواب : أن النور أمر واحد حقيقي بسيط : والظلمات أعدام نشأت عن الأجرام المتعددة ، إذ الظلمة إنما تحدث في مكان لحيلولة جرم كثيف بينه وبين النير ، فإذا حالت عدة أجرام بين النير وعدة أمكنة حدثت ظلمات بالضرورة ، واعتبر هذا بعدة أشجار متفرقة يحدث لها في النهار المشمس والليل المقمر عدة ظلال ، والليل ظلمة حدثت لحيلولة الأرض بين الشمس والفضاء ، فلذلك أظلم.
(ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١) [الأنعام : ١] أي يجعلون له عدلا يعبد معه ، مع أنه مخلوق وإنما الله ـ عزوجل ـ هو خالق كل شيء ، وهذا من أدلة التوحيد ، وتقريره أن الله ـ عزوجل ـ [هو خالق الموجودات. / [٧٢ ب / م] وكل من كان خالق الموجودات ، فهو وحده الإله ، فالله ـ عزوجل ـ] وحده هو الإله ، والمقدمتان واضحتان ، وفيه تعريض بالمجوس ؛ لنصه على خلق الظلمات والنور اللذين اعتقدهما المجوس إلهين ، وتقريره أن الظلمة والنور مخلوقان ، ولا شيء من المخلوق بإله ، فلا شيء من الظلمة والنور بإله ، وإنما اغتر المجوس بأن قالوا : العالم مشتمل على خير وشر ، وهما لا يصدران عن مبدأ واحد ، فهما صادران عن مبدأين ، وليس أولى بهما من النور والظلمة ؛ لأن النور خير فناسب أن يصدر عنه الخير ، والظلمة شر ؛ فناسب أن يصدر عنها الشر.
واعلم أن هذا كلام ركيك لا يستحق جوابا ، لكن لا بد من كشف الشبهة ، فنقول : قولكم : «الخير والشر لا يصدران عن مبدأ واحد». إن بنيتم ذلك على رأي الفلاسفة في أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد ، فهو أصل باطل وشبهة زائفة ، وإن كان شيئا قلتموه