(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) (٨٠) [المائدة : ٨٠] الآيتين ، يقتضي أن تولي الكفار كفر موجب للسخط ، مخلد في العذاب ، مناف للإيمان بالله ـ عزوجل ورسله وكتبه.
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (٨٢) [المائدة : ٨٢] الآيات ، تعلق بها النصارى على جهة الإلزام للمسلمين ، وتقرير شبهتهم منها أن قالوا : نحن قد أثنى علينا القرآن ، وكل من أثنى عليه القرآن فهو خير محق ؛ فنحن خيرون محقون ، أما أن القرآن أثنى علينا ففي هذه الآيات أثنى علينا بأن منا قسيسين ورهبانا ، وأنا متواضعون لا استكبار عندنا وغير ذلك ، وأما أن من أثنى عليه القرآن يكون محقا فلأنه معصوم عند المسلمين ، والمعصوم لا يقول إلا حقا ، ولا يمدح ولا يقدح إلا بحق.
والجواب أن المراد بالنصارى / [١٥٠ / ل] في الآية نصارى مخصوصون ، وهم النجاشي وأصحابه من أهل الحبشة لا جميع النصارى ؛ بدليل أنه وصفهم بأنهم أقرب مودة للمسلمين ، وأنتم أشد عداوة لهم ، ووصفهم بأنهم إذا سمعوا القرآن فاضت أعينهم تصديقا له ، وأنتم لا تصدقونه ، ووصفهم بأنهم آمنوا بالإسلام وشهدوا بصلاح المسلمين ، وأنتم لستم كذلك ؛ فدل على أن المراد ما ذكرناه من خصوص النصارى ، لا ما ذكرتموه من عمومهم ، وكيف يثني عليكم وقد صرح قبل هذا بكفركم [لأجل التثليث] الذي تدينون به. في أول / [٧١ أ / م] هذه السورة يقول : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (١٤) [المائدة : ١٤] وهو ذم لهم ؛ فدل على أن الذم والمدح مختلف الموضوع ، وأن المذموم غير الممدوح.
وهذه شبهة أوردها عليّ بعض النصارى ، فأجبته بنحو هذا الجواب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٨٧) [المائدة : ٨٧] عام في النهي عن تحريم الطيبات يحتمل أن يخص منه