في مثل ذلك صادقا ، لكن ذلك باتفاق منا ومنهم باطل ؛ فثبت بما ذكرناه أن المسيح رسول الله ، ولزم من ثبوت رسالته ثبوت النسخ الذي يفرون منه.
واعترض اليهود على هذه الحجة بأن قالوا : لا نسلم أن المسيح ادعى الرسالة ، وإنما ادعى أنه ابن الله ، والمسيح الذي وعدنا به هو ابن داود ، فالمسيح ابن مريم ليس هو المسيح الموعود ، ولا ادعى الرسالة ، بل الإلهية ، سلمناه لكن لا نسلم أنه أظهر المعجز على وفق دعواه ، ولكنه لما فرت به أمه إلى مصر خدم بعض أحبار اليهود ممن كان قد أوتي الاسم الأعظم فسرقه أو تعلمه منه ، فكان يفعل به الخوارق ، ويدعي ما شاء ، وإذا بطلت المقدمة الأولى من دليلكم لم تنفعكم الثانية وحدها ، ولا حاجة بنا نحن إلى منعها.
والجواب : أن كون المسيح ـ عليهالسلام ـ ادعى أنه ابن الله باطل من أباطيل النصارى ، ثم تلقاه اليهود منهم [على جهة الإلزام لهم] من أباطيل النصارى ، ولو سلم لكان ذلك مجازا أو تشريفا ، كما قيل لإسرائيل : أنت ابني بكري ، ولو أن يعقوب ـ عليه السّلام ـ قال : أنا ابن الله بهذا الاعتبار / [١٤٩ / ل] لم يكن ذلك منافيا لدعواه الرسالة ، وأما كون المسيح الذي وعدتم به هو ابن داود فهو صادق على عيسى ابن مريم ؛ إذ هو ابن داود من جهة أمه مريم ، وقول اليهود : إن دين التوراة أن النسب لا يثبت من جهة / [٧٠ ب / م] الأم مدافعة هم غير مأمونين عليها ، ولو سلم ذلك لم يضر ؛ لأن المسيح صاحب دعوة مستقلة وشريعة وملة ، والنسب في شرعه يثبت من جهة الأم على خلاف حكم التوراة ؛ فيجب التسليم لما جاء به من المعجز ، ثم ينزل كونه ابن داود على مقتضى شرعه ، ثم إن صفة المسيح ـ عليهالسلام ـ واردة في التوراة عند ذكر موت يعقوب ـ عليهالسلام ـ ووصيته أولاده حيث قال : لا يزال الملك بين فخذي يهوذا حتى يأتي المنتظر الذي يركب الحمار ويحمر من الحر وجهه ، وأشد بياضا من اللبن أسنانه. في صفات أخر موجودة في المسيح ، فإنكار اليهود له مكابرة وعناد ، وأما كونه سرق الاسم الأعظم من بعض أحبارهم فإن فتحوا هذا عورضوا بمثله في موسى ـ عليهالسلام ـ وأنه سرق الاسم الأعظم المعظم من شعيب ـ عليهالسلام ـ حين صاهره ورعى له الغنم عشر سنين ، لكن ذلك باطل في حق موسى فكذلك في حق المسيح.
(كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (٧٩) [المائدة : ٧٩] تقتضي أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ مع إمكانه والقدرة عليه ـ كبيرة يستحق بها اللعن.