رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢))
(وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى) القلب المهذب بالحكمة العملية ، المدرب بالعلوم العقلية ، المشوّق بذكر الأنوار القدسية والكمالات الإنسية ، ووصف المفارقات والمجردات إلى الحضرة الإلهية الغالب على القوّة الشهوانية بالسعي في طلب الأرزاق الروحانية من المعارف اليقينية والمعاني الحقيقية بعد قتل جبار الشهوة الذي كان يجبر لفرعون النفس الأمّارة وفراره من استيلائها إلى مدين مدينة العلم من الأفق الروحاني ووصوله إلى خدمة شعيب الروح في مقام السرّ الذي هو محل المكالمة والمناجاة بالسير العقلي بطريق الحكمة ، واكتساب الأخلاق بالتعديل قبل السلوك في الله بطريق التوحيد والرياضة بالترك والتجريد مع بقاء النفس المتقوية بالعلم والمعرفة ، المتزينةبالفضيلة والمتبجحة بزينتها وكمالها ، الطاغية بظهورها على أشرف أحوالها ، المنازعة ربّها صفة العظمة والكبرياء ، المعجبة بالبهجة والبهاء لاحتجابها بأنانيتها وانتحالها كمال الحق برؤيته لها ، فكانت شرّ الناس كماقال عليه الصلاة والسلام : «شرّ الناس من قامت القيامة عليه وهو حيّ» ، ولو ماتت ثم قامت القيامة عليها لكانت خير الناس.
(أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) من القوى النفسانية الفرعونية العانية لفرعون النفس الأمّارة ، المتخذة لها ربّا ، الواضعة كمال الحق موضع كمالها وهو أفحش الظلم (أَلا يَتَّقُونَ) قهري وبأسي بتدميرهم وإفنائهم (أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) في دعوتي إلى التوحيد ولم يطيعوني في الرياضة والترك والتجريد (وَيَضِيقُ صَدْرِي) لعدم اقتداري على قهرهم وعلمي بامتناعهم عن قبول الأوامر الشرعية والأسرار الوحيية وما يكون خارجا عن طور الفكر والعقل لتدربهم بذلك وتفرعنهم باستبدادهم (وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) معهم في هذه المعاني لكونها على خلاف ما تعوّدوا به ونشؤا عليه من الحكم العملية الداعية إلى مراعاة التعديل في الأخلاق دون الفناء بالإطلاق (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) العقل ليؤدّبهم بالمعقول ويسوسهم بما يسهل قبولهم له من رعاية مصلحة الدارين واختيار سعادة المنزلين فتلين عريكتهم وتضعف شكيمتهم بمداراته ورفقه وموافقته لهم بعلمه وحلمه (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) بقتلي جبار الشهوة (فَأَخافُ) إن دعوتهم إلى التوحيد وأمرتهم بالتجريد وترك الحظوظ والاقتصار على الحقوق (أَنْ يَقْتُلُونِ) بالاستيلاء والغلبة ، وهذا صورة حال من احتجبت نفسه بالحكمة ولم يتألف بعد طريق الوحدة مع قوّة استعداده وعدم وقوفه مع ما نال من كمال ، فقلما تقبل نفسه خلاف ما يعتقد وتنقاد في متابعة