باليقين البرهاني والكشفي على الاعتقاد الباطل (فَيَدْمَغُهُ) فيقمعه (فَإِذا هُوَ) زائل (وَلَكُمُ) الهلاك (مِمَّا تَصِفُونَ) من عدم الحشر أو نقذف بالتجلي الذاتي في القيامة الكبرى الذي هو الحق الثابت الغير المتغير على باطل هذه الموجودات الفانية فيقهره ويجعله لا شيئا محضا ، فإذا هو فان صرف ، فيظهر أنّ الكل حق وأمره جد ، لا باطل ولا لهو ، ولكم الهلاك والفناء الصرف مما تصفون من إثبات وجود الغير واتصافه بصفة وفعل وتأثير (لَفَسَدَتا) لأن الوحدة موجبة لبقاء الأشياء ، والكثرة موجبة لفسادها. ألا ترى أن كل شيء له خاصية واحدة يمتاز بها عن غيره هو بها هو ولو لم تكن لم يوجد ذلك الشيء ، وهي الشاهدة بوحدانيته تعالى كما قيل :
ففي كل شيء له آية |
|
تدل على أنه الواحد |
والعدل الذي قامت به السموات والأرض هو ظل الوحدة في عالم الكثرة ، ولو لم يوجد هيئة وحدانية في المركبات كاعتدال المزاج لما وجدت ، ولو زالت تلك الهيئة لفسدت في الحال (فَسُبْحانَ اللهِ) أي : نزّه للفيض على الكل بربوبيته للعرش الذي ينزل منه الفيض على جميع الموجودات عما تصفونه من إمكان التعدّد.
[٢٨ ـ ٢٩] (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩))
(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي : ما تقدّمهم من العلم الكليّ الثابت في أمّ الكتاب المشتمل على جميع علوم الذوات المجرّدة من أهل الجبروت والملكوت (وَما خَلْفَهُمْ) من علوم الكائنات والحوادث الجزئية الثابتة في السماء الدنيا ، فكيف يخرج علمهم عن إحاطة علمه ويسبق فعلهم أمره وقولهم قوله (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ) علمه أهلا للشفاعة بقبوله لصفاء استعداده ومناسبة نفسه للنور الملكوتي (وَهُمْ) في الخشية من سبحات وجهه والخشوع والإشفاق والانقهار تحت أنوار عظمته.
[٣٠] (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠))
(أَوَلَمْ يَرَ) المحجوبون عن الحق (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا) مرتوقتين من هيولى واحدة ومادة جسمانية (فَفَتَقْناهُما) بتباين الصور ، أو أن سموات الأرواح وأرض الجسد كانتا مرتوقتين في صورة نطفة واحدة ففتقناهما بتباين الأعضاء والأرواح.
[٣١] (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١))