والعمل ولا كمال النوع إلا بالسيف والقلم. أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأن الإنسان مدنيّ بالطبع محتاج إلى التعامل والتعاون لا تمكن معيشته إلا بالاجتماع ، والنفوس إما خيرة أحرار بالطبع منقادة للشرع وإما شريرة عبيد بالطبع آبية للشرع. فالأولى يكفيها في السلوك طريق الكمال ، والعمل بالعدالة اللطف وسياسة الشرع. والثانية لا بدّ لها من القهر وسياسة الملك.
[٢٨ ـ ٢٩] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان اليقيني (اتَّقُوا اللهَ) بالتجرّد عن صفاتكم والتنزّه عن ذواتكم (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) بالاستقامة في أعمالكم وأحوالكم على طريق المتابعة (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) في جنة النفس (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً) من أنوار الروح وتجليات الصفات في مقام القلب (تَمْشُونَ بِهِ) تسيرون به في الصفات (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوب ذواتكم (وَاللهُ غَفُورٌ) بإفناء البقيات (رَحِيمٌ) بهبة الوجودات الحقانيّة بعد فناء الإنيات (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) أي : المحجوبون بالرين عن الحق أو بطريق الضلالة ودين الباطل عن الصراط المستقيم ودين الحق (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) لأنه موهوب لا يمكن اكتسابه (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ) أي : في تصرفه وتحت ملكه وقدرته (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) موهبة لا كسبا منه (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الذي هو نهاية الكمال ، والله تعالى أعلم.