(فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) أي : انقطعوا إليه واستضيئوا بنوره واستمدّوا من فيضه في محاربة النفس والشيطان ، وتخلصوا إليه من عدوانهما وطغيانهما ولا تلتفتوا إلى غيره ولا تثبتوا لما سواه وجودا وتأثيرا فيستولي عليكم الشيطان ويسوّل عليكم طاعته وعبادته ولا تجعلوا معه بهوى النفس معبودا كالنفس وما تهواه فتشركوا وتحتجبوا به عنه فتهلكوا.
[٥٦] (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦))
(وَما خَلَقْتُ) جنّ النفوس وأنس الأبدان أو الثقلين المشهورين (إِلَّا) ليظهر عليهم صفاتي وكمالاتي فيعرفوني ثم يعبدوني إذ العبادة بقدر المعرفة ومن لم يعرف لم يعبد ، كماقال العارف المحقق عليهالسلام : «لا أعبد ربّا لم أره» ، أي : لم أخلقهم ليحتجبوا بوجوداتهم وصفاتهم عني فيجعلوا أنفسهم آلهة معبودة غيري أو يحتجبوا بخلقي وما تهوى أنفسهم فيجعلوه إلها غيري ويعبدوه.
[٥٧ ـ ٥٨] (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨))
(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) أي : خلقتهم بأن احتجبت بهم بذاتي وصفاتي ليظهروا فيتخلقوا بخلقي فيحتجبوا بي ويستتروا بفناء الأفعال والصفات ولا ينسبوا الرزق والإطعام والتأثير إلى أنفسهم لظهورها بالأفعال والصفات وانتحال أفعالي وصفاتي لها بالكذب والطغيان (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) أي : ذاته الموصوفة بجميع الصفات هي مصدر الأفعال اللطيفة كالرزق والقهرية كالتأثير في الأشياء دون غيره.
[٥٩] (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩))
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) بنسبة الفعل والتأثير إلى الغير من مخلوقاته سواء كان ذلك الغير أنفسهم أو غيرهم نصيبا وافرا من عذاب الله (مِثْلَ) نصيب نظرائهم من المحجوبين بالصفات (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) في الاستمتاع بأفعالهم.
[٦٠] (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠))
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي : حجبوا عن الحق في أي مرتبة كانت بأي شيء كان (مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) في القيامة الصغرى ، والله أعلم.