ينبغي ، ولهذا قال
: (إِنَّ ناشِئَةَ
اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦))
ولأمر ما كان مبدأ الوحي منامات صادقة وذلك كون هذه القوى ساكنة متعطلة عند
النوم حتى قوي على عزلها عن أشغالها وتعطيلها في اليقظة (فَلَمَّا قُضِيَ)
أي : الوارد
المعنوي والنازل القدسي الكشفي (وَلَّوْا إِلى
قَوْمِهِمْ)
القوى النفسانية
والطبيعية ينذرونهم عقاب الطغيان والعدوان على القلب بالتأثير فيهم بالملكات
الفاضلة وإفاضات الهيئات النورية المستفادة من المعنى القدسي النازل ويمنعونهم
الاستيلاء على القلب بالتسخير والارتياض.
[٣٠]
(قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ
مُسْتَقِيمٍ (٣٠))
(قالُوا يا قَوْمَنا
إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى)
أي : ما تأثرنا
بمثل هذا التأثر النوري في الوجود المحمدي إلا في زمن موسى ومن بعده إلى هذا
الزمان ما تلقينا هذا المعنى لأن عيسى عليهالسلام ما تم معراجه وما بلغ حاله حال النبيين المذكورين ، موسى
ومحمد ، في الانخراط في سلك القدس في حياته ومشايعة جميع قواه لسرّه وما كمل فناؤه
ليتحقق جميع قواه بالوجود الحقاني ولذلك بقي في السماء الرابعة واحتجب فيها
بخلافهما وسيتبع الملة المحمدية بعد النزول ليتم حاله (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ)
لكونه مطابقا له
في الهداية إلى التوحيد والاستقامة كما أشير إليه بقوله : (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ
مُسْتَقِيمٍ).
[٣١ ـ ٣٥]
(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ
ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ
فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ
فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى
بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ
كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ
فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ
أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ
يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ
يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥))
(يا قَوْمَنا
أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ)
بمطاوعة القلب في
التوجه إلى الله والتأدّب بآدابه والاستسلام لأحكامه والانقياد لأوامره ونواهيه في
طاعته (وَآمِنُوا بِهِ)
بالتنوّر بنوره
والانخراط في سلك عبادته (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ
ذُنُوبِكُمْ)
الهيئات الرذائل
والميل إلى الجهات السفلية بمتابعة الهوى وحجب الصفات النفسانية دون التعلقات
البدنية والشواغل الطبيعية لامتناع تجريدها عن المادة ، ولهذا المعنى أورد من
التبعيضية (وَيُجِرْكُمْ مِنْ
عَذابٍ أَلِيمٍ)
بسبب النزوع
والانجذاب
__________________