أخبط أوراق العلوم النافعة والحكم العملية من شجرة الروح بحركة الفكر بها على غنم القوى الحيوانية (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) من كسب المقامات وطلب الأحوال والمواهب والتجليات. وإنما سأله تعالى لإزالة الهيبة الحاصلة له بتجلي العظمة عنه وتبديلها بالأمن ، وإنما زاد الجواب على السؤال لشدّة شغفه بالمكالمة واستدامة ذوق الاستئناس.
[١٩ ، ٢٠] (قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠))
(قالَ أَلْقِها يا مُوسى) أي : خلها عن ضبط العقل (فَأَلْقاها) أي : خلاها وشأنها مرسلة بعد احتظائها من أنوار تجليات صفات القهر الإلهي (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) أي : ثعبان يتحرّك من شدّة الغضب ، وكانت نفسه عليهالسلام قوية الغضب ، شديدة الحدّة ، فلما بلغ مقام تجليات الصفات كان من ضرورة الاستعداد حظه من التجلي القهري أوفر كما ذكر في (الكهف) ، فبدل غضبه عند فنائه في الصفات بالغضب الإلهي والقهر الرباني فصور ثعبانا يتلقف ما يجد.
[٢١] (قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١))
(قالَ خُذْها) أي : اضبطها بعقلك كما كانت (وَلا تَخَفْ) من استيلائها عليك وظهورها فيكون ذنب حالك بالتلوين ، فإن غضبك قد فنى ، فيكون متحرّكا بأمري وليس هو مستورا بنور القلب في مقام النفس حتى يظهر بعد خفائه (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) أي : ميتة ، فانية ، صائرة إلى رتبة القوّة النباتية التي لا شعور لها ولا داعية ، ولإماتته عليهالسلام إياها في تربية شعيب صلوات الله عليه وجعله إياها كالقوى النباتية سميت عصا ، ولهذا قيل : وهبها له شعيب عليهالسلام.
[٢٢ ، ٢٣] (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣))
(وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) أي : اضمم عقلك إلى جانب روحك الذي هو جناحك الأيمن لتتنوّر بنور الهداية الحقانية ، فإن العقل بموافقة النفس وانضمامه إليها وإلى جانبها الذي هو الجناح الأيسر لتدبير المعاش يتكدر ويختلط بالوهم فيصير كدرا جاسيا لا يتنوّر ولا يقبل المواهب الربانية والحقائق الإلهية ، فأمر بضمه إلى جانب الروحليتصفى ويقبل نور القدس (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) منورة بنور الهداية الحقانية وشعاع النور القدسي (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي : آفة ونقص ومرض من شوب الوهم والخيال (آيَةً أُخْرى) صفة منضمة إلى الصفة الأولى (لِنُرِيَكَ) من آيات تجليات صفاتنا الآية (الْكُبْرى) التي هي الفناء في الوحدة ، أي : لتكون ببصرك في مقام تجليات الصفات ، فنريك من طريقها وجهتها ذاتنا عند التجلي الذاتي ، فتبصرنا بنا في القيامة الكبرى.