أي : أحببت منيبا حبّ المال (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) مشتغلا به لمحبتي إياه كما يجب لمثلي أن يشتغل بربّه ذاكرا محبّا له ، فاستبدلت محبة المال بذكر ربّي ومحبته فذهلت عنه (حَتَّى تَوارَتْ) شمس الروح بحجب النفس (رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) أي : يمسح السيف مسحا بسوقها يعرقب بعضها وينحر بعضها ، كسر الأصنام : النفس التي تعبدها بهواها وقمعا لسورتها وقواها ، ورفعا للحجاب الحائل بينه وبين الحق واستغفارا وإنابة إليه بالتجريد والترك.
[٣٤] (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤))
(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ) ابتليناه مرة أخرى بما هو أشدّ من هذا التلوين وهو إلقاء الجسد على كرسيه ، وقد اختلف في تفسيره على ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه ولد له ابن فهمّ الشياطين بقتله مخافة أن يسخّرهم كأبيه ، فعلم بذلك فكان يغدوه في السحابة فما راعه إلا أن ألقي على كرسيه ميتا فتنبّه على خطئه في أن لم يتوكل فيه على ربّه. والثاني : أنه قال ذات يوم : لأطوفنّ على سبعين امرأة كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ، ولم يقل : إن شاء الله ، فطاف عليهنّ ولم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. فعلى هذين الوجهين يكون ابتلاؤه بمحبة الولد ، فظهور النفس بميله إليه إما بشدّة الاهتمام بحفظه وتربيته وصونه عن شياطين الأوهام والتخيلات في سحاب العقل العملي وتغذيته بالحكمة العقلية واعتماده في ذلك على العقل والمعقول واستحكام أهله لكماله دون تفويض أمره فيه إلى الله واتكاله في شأنه عليه ، فابتلاه الله بموته ، فتنبّه على خطئه في شدّة حبه للغير وغلبة أهله ، وإما بظهور النفس في الاقتراح والتمني وغلبة الحسبان والظنّ والاحتجاب عن الاستيهاب بالعادة والفعل وبالتدبير عن التقدير والذهول عن أمر الحق بغلبة صفات النفس ، فابتلاه الله بالمعلول البعيد عن المراد الذي تصوّره في نفسه وقدّره ، فأناب الرجوع إلى الحق عند التنبّه على ظهور النفس وتدارك التلوين بالاستغفار والاعتذار في التقصير. والوجه الثالث : إنه غزا صيدون مدينة في بعض جزائر البحر ، فقتل ملكها وكان عظيم الشأن ، وأصاب بنتا له اسمها جرادة من أحسن الناس وجها ، فاصطفاها لنفسه بعد أن أسلمت وأحبها وقد اشتدّ حزنها على أبيها فأمر الشياطين فمثلوا لها صورة أبيها ، فكستها مثل كسوته وكانت تغدو إليها وتروح مع ولائدها يسجدن لها كعادتهن في ملكه ، فأخبر آصف سليمان بذلك ، فكسر الصورة وعاقب المرأة ثم خرج وحده إلى فلاة وفرش لنفسه الرماد ، فجلس عليه تائبا إلى الله متضرّعا. وكانت له أمّ ولد يقال لها : أمينة ، إذا دخل للطهارة أو لإصابة امرأة وضع خاتمه عندها ، وكان ملكه في خاتمه ، فوضعه عندها يوما وأتاها الشيطان صاحب البحر اسمه صخر على صورة سليمان