(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ) القلب (داوُدَ) الروح الملك بالسياسة والنبوّة بالهداية (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي : نادى القوى البدنية وقت الرياسة عليها ، وقال : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) القوى الروحانية (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) من المدركات الكلية والجزئية والكمالات الكسبية والعطائية (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) أي : الكمال الظاهر الراجح صاحبه على غيره.
[١٧] (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧))
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ) من جنّ القوى الوهمية والخيالية ودواعيها ، وإنس الحواس الظاهرة ، وطير القوى الروحانية بتسخيره ريح الهوى وتسليطه عليها بحكم العقل العمليّ ، جالسا على كرسيّ الصدر ، موضوعا على رفوف المزاج المعتدل (فَهُمْ يُوزَعُونَ) يحبس أوّلهم على آخرهم ويوقفون على مقتضى الرأي العقلي لا يتقدّم بعضهم بالإفراط ولا يتأخر البعض بالتفريط.
[١٨ ـ ١٩] (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩))
(حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) أي : نمل الحرص في جمع المال والأسباب في السير على طريق الحكمة العملية وقطع الملكات الرديّة (قالَتْ نَمْلَةٌ) هي ملكة الشره ، ملكة دواعي الحرص. وكانت على ما قيل : عرجاء ، لكسر العاقلة رجلها ومنعها بمخالفة طبعها عن مقتضاه من سرعة سيرها (يا أَيُّهَا النَّمْلُ) أي : الدواعي الحرصية الفائتة الحصر (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ) أي : اختبئوا في مقارّكم ومحالكم ومباديكم لا يكسرنكم القلب والقوى الروحانية بالإماتة والإفناء. وهذا هو السير الحكمي باكتساب الملكات الفاضلة وتعديل الأخلاق وإلا لما بقيت للنملة الكبرى ولصغارها عين ولا أثر في الفناء بتجليات الصفات (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) أي : استبشر بزوال الملكات الرديئة وحصول الملكات الفاضلة ودعا ربّه بالتوفيق لشكر هذه النعمة التي أنعم بها عليه بالاتصاف بصفاته وأفعاله والفناء عن أفعال نفسه وصفاتها. وعلى والديه ، أي : الروح والنفس بكمال الأول وتنوّره وقبول الثانية وتأثرها بقوله : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) بالاستقامة في القيام بحقوق تجليات صفاتك والعبادات القلبية لوجهك ونور ذاتك (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) أي : بكمال ذاتك في زمرة الكمل الذين هم سبب صلاح العالم وكمال الخلق.