وملخّص ما ذكرناه أنّه ذكرنا في بحث الإخبار والإنشاء أنّ كلّا منهما يدلّ على أمر نفسانيّ ، ولا فرق بينهما من حيث الدلالة اللفظيّة ، ولا صدق ولا كذب في هذه المرحلة.
مثلا : «زيد قائم» يدلّ بمقتضى العلقة الوضعيّة على قصد المتكلّم الحكاية عن ثبوت القيام لزيد ، وهكذا «جئني بالماء» يدلّ على أمر نفساني هو اعتبار المتكلّم كون هذا الفعل على ذمّة المخاطب ، والفرق بينهما إنّما هو في المعنى ، وأنّه في الإنشاءات ليس شيء ما وراء النّفس حتى يطابق ما في النّفس إيّاه فيكون صادقا ، أو لا يطابقه ، فيكون كاذبا ، بخلافه في الإخبارات ، فإنّ للمعنى الّذي في النّفس خارجا ربما يطابقه وربما لا يطابقه ، ويكون الصدق والكذب بهذا الاعتبار ، فكما أنّه بالإخبار لا يوجد شيء إلّا الدلالة اللفظيّة التي تكون بين الألفاظ ومعانيها بمقتضى العلقة الوضعيّة الكائنة بينهما كذلك بالإنشاء لا يوجد سوى ذلك ، وصيغة «افعل» وأمثالها إنّما تكون مبرزة لما في النّفس ومظهرة له ، وبه يتحقّق مصداق الطلب ، فباب الإنشاء ليس باب إيجاد المعنى باللفظ أصلا على ما في الكفاية (١) وغيرها ، بل هو ـ كما في الإخبار ـ إبراز ما في النّفس ، وهو يختلف باختلاف الموارد ، ففي صيغة «افعل» وأمثالها التي هي محلّ كلامنا هو اعتبار كون الفعل على ذمّة المكلّف كما في الدّين ، ولذا يقال : مشغول ذمّة فلان بالصلاة ، كما يقال : مشغول ذمّته بعشر دنانير مثلا ، وهذا المعنى يساعده العرف والاستعمال ، يقال : هذا الفعل على ذمّتك؟ فتقول : نعم على ذمّتي ، ولا يلزم من صحّة هذا الاعتبار أن يكون الفعل مقدورا للمكلّف ، كما لا يلزم في الدّين ، ويعتبر على ذمّة المديون مع عدم القدرة على
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٧.