«من روحي» ، وهذا دليل على منتهى عظمة وأهميّة الروح الإنسانية ، وهذا من قبيل الإضافة التشريفية حسب المصطلح ، كـ «بيت الله» و «شهر الله» التي تشير إلى أهميّة الكعبة وعظمة شهر رمضان المبارك ، وإلّا فإنّ كل مكان هو بيته وكل الأشهر أشهره.
والثانية أمر جميع الملائكة بالسجدة لآدم بعد نفخ الروح فيه ، وهذا برهان آخر على عظمة مقام الإنسان ، ذلك أنّ السجدة تفيد منتهى الخضوع ، فكيف لو كانت من قبل كل الملائكة؟ وهذه خير علامة على المقام الرفيع لآدم.
* * *
في الآية الرابعة وبعد الإشارة إلى خلق النطفة وتطورات الجنين والألبسة المختلفة التي يكسو بها الله هذه القطعة الصغيرة في مختلف المراحل ، يُغيّر عزوجل لهجة الكلام ويقول : (ثُمَّ أَنْشَأنَاهُ خَلْقاً آخَر).
إنّ التعبير ب «الانشاء» (الايجاد) في هذه المرحلة وخلافاً للمراحل السابقة التي عبّر عنها بالخلقة ، إضافةً إلى استخدام «ثم» التي تستعمل عادةً من أجل الفصل يدل جميعُهُ على أنّ الخلق في هذه المرحلة يختلف تماماً عن المراحل السالفة ، وهذه علامة على أنّ المراد هو خلق الروح التي ترتبط بالجسم بعد تكامله.
والمثير أنّه يعبّر بـ «خلقاً آخر» وهو تعبير غامض ومُغلق ، خلافاً للتعبيرات السابقة التي يتحدث فيها عن «النطفة» و «العلقة» و «المضغة» و «العظام» و «اللحم» وهي مفاهيم معروفة جميعاً ، وهذا دليل آخر على اختلاف المرحلة الأخيرة عن المراحل الماضية.
ومن العجب أنّ بعض المفسرين ذكروا تفاسير لعبارة : «الخلق الآخر» لا تنسجم أبداً مع روح الآية ، من جملتها : أنّ المراد بانشاء الخلق الآخر هو ظهور الأسنان والشعر على الجسم (١)! في حين أنّ هذا لا يتناسب أبداً مع تعابير الآية ولا شك أنّ ظهور الأسنان والشعر
__________________
(١) روي هذا الاحتمال عن بعض المفسرين في تفسير روح المعاني ، ج ١٨ ، ص ١٤ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ٧ ، ص ٤٥٠٢.