وهذه الألفاظ تلمّح إلى أنّه لا تظنّوا أنَّ الله يوفرُ الرزقَ للموجودات في مستقرها فقط ، بل أينما تكون وفي أيّ نقطةٍ من الأرض والسماء ، فهو يعلمُ ويرى مكانها ويعطيها رزقها هناك!
روى بعض المفسّرين في ذيل هذه الآية حديثاً مفاده : «أنّ موسى عليهالسلام عند نزول الوحي عليه وكان برفقة طفله وزوجته في ليلة ظلماء في وادٍ بطور سيناء ، حيث أمره الله سبحانه وتعالى أن يذهب إلى فرعون ، فانصرف ذهنه إلى زوجته وطفله ، كيف سيكون مصيرهم بعده.
فأمره الله تعالى أن يضرب بعصاه صخرة فانفلقت وخرجت منها صخرة ثانية ؛ ثم ضربها بعصاه مرّة اخرى فانفلقت وخرجت صخرة ثالثة ، ثم ضربها بعصاه فانفلقت فخرجت منها دودة كأصغر ما تكون عليه النملة وفي فمها شيء يجري مجرى الغذاء لها ، وعند ذاك رفع الحجاب عن سمع موسى عليهالسلام فسمع الدودة تقول : سبحان من يراني ، ويسمع كلامي ، ويعرف مكاني ، ويذكرني ولا ينساني» (١).
كما ورد في حديثٍ أنَّ الإمام الحسين عليهالسلام كان له سيفٌ كتبَ عليه : «الرزقُ مقسومٌ والحريصُ محرومٌ ، والبخيل مذمومٌ ، والحاسدُ مغمومٌ» (٢).
ونختتم هذا الحديث بشعرٍ لأحد شعراء العرب ، إذ يقول :
وكيف أخافُ الفقرَ والله رازقي |
|
ورازقُ هذا الخلق في العسرِ واليُسرِ |
تكفَّلَ بالأرزاق للخلق كُلِّهِم |
|
وللضَّبِ في البيداء والحوتِ في البحرِ |
* * *
وفي الآية الثامنة ، يبدو وكأنّه يحاكمُ المشركين ، ويبينُ بطلان عقائدهم عن طريق مسألة ايصال الرزق إلى الخلائق ، ويوضح وحدانية الرَّب ، فيقول : (قُلْ مَنْ يُرزُقُكُم مِنَ السَّموَاتِ وَالأَرضِ) من ضوء الشمس ، من قطرات المطر الذي يهب الحياة ، ومن هذا الهواء
__________________
(١) تفسير الكبير ؛ ج ١٧ ، ص ١٨٦ ؛ تفسير روح البيان ، ج ٤ ، ص ٩٧ ؛ وتفسير روح المعاني ، ج ١٢ ، ص ٢.
(٢) تفسير روح البيان ، ج ٤ ، ص ٩٧.