ثم فكر بعد هذا في ارتفاع الشمس وانحطاطها لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة وما في ذلك من التدبير والمصلحة ...
فكّر الآن في تنقل الشمس في البروج الاثني عشر لإقامة دور السنة ... وفي هذا المقدار من دوران الشمس تدرك الغلات والثمار ، وتنتهي إلى غاياتها ، ثم تعود فيستأنف النشوء والنمو ...
انظر إلى شروقها على العالم كيف دّبر أن يكون ، فانّها لو كانت تبزغُ في موضع من السماء فتقف لا تعدوه لما وصل شعاعها ومنفعتها إلى كثير من الجهات.
أفلا يرى الناس كيف أنَّ هذه الامور الجليلة؟ التي لم تكن عندهم فيها حيلة صارت تجري على مجاريها ، لا تعتل ولا تتخلف عن مواقيتها لصلاح العالم وما فيه بقاؤه؟
استدلّ بالقمر ، ففيه دلالة جليلة تستعملها العامة في معرفة الشهور ، ولا يقوم عليه حساب السنة ... فكّر في انارته في ظلمة الليل والإرب في ذلك ، فانّه مع الحاجة إلى الظلمة لهدوء الحيوان وبرد الهواء على النبات لم يكن صلاح في أن يكون الليل ظلمة داجية لا ضياء فيها فلا يمكن فيه شيء من العمل ، لأنّه ربّما احتاج الناس إلى العمل بالليل لضيق الوقت عليهم في تقصّي الأعمال بالنهار ، أو لشدّة الحر وافراطه ... وجعل طلوعه في بعض الليل دون بعض ، ونقص مع ذلك من نور الشمس وضيائها لكيلا ينبسط الناس في العمل انبساطهم بالنهار ، ويمتنعوا من الهدوء والقرار ... (١).
* * *
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٥٥ ، ص ١٧٥ ، ح ٣٦ «مع الاختصار».