وممّا اتفق عليه المحصّلون من الاصوليين تقريبا دلالة الامر مادّة وهيئة على الوجوب بحكم التبادر وبناء العرف العام على كون الطلب الصادر من المولى بلسان الامر مادّة (* ١) او هيئة وجوبا ، وانما اختلفوا في توجيه هذه الدلالة وتفسيرها الى عدّة اقوال :
القول الاوّل : ان ذلك بالوضع (١) ، بمعنى ان لفظ الأمر موضوع
__________________
الامر(* ٢) ، فانه واحد وهو النسبة الإرسالية ، غاية الامر تارة يكون الداعي من وراء اخطار هذه النسبة في ذهن السامع اظهار عجزه وأخرى الاستهزاء به او اختباره او الطلب منه.» انتهى. واوضحه ايضا في الحلقة الثانية بحث «الامر» بشكل جيد فراجع.
(١) وإلى هذا ذهب المشهور كصاحب الكفاية رحمهالله وهو الصحيح ، وبيانه :
ان صيغة الامر حقيقة في الوجوب مجاز في غيره وذلك لانه يتبادر منها معنى الوجوب عند تجرّدها عن القرينة ، ولذلك ترى العقلاء يفهمون هذا المعنى في هذه الحالة.
(فان قلت) لازم هذا القول الاعتراف بمجازية الاستعمال اذا استعملت صيغة الامر في معنى الندب كما في الرواية «كل السفرجل ، فانّه يقوّي القلب
__________________
(* ١) (اقول) لا شك ولا اشكال في كون مادّة الامر موضوعة لمعنى الوجوب وانّ شكّ بعضهم هو شبهة مقابل بديهة ، وانما الكلام في المعنى الموضوعة له هيئة الأمر.
(* ٢) (زيادة توضيح) انّ داعي الاستعمال قد يكون نفس المراد الاستعمالي وقد يغايره ، مثال الاوّل : «هذا كتاب» عند ما تشير الى كتاب ما ، ومثال الثاني قولك لمن يدّعي العلم «يا عالم» ، فهنا المراد الاستعمالي هو نفسى المعنى التصوّري ، لكن لا جدّية في الكلام ، لانّ الداعي الجدّي كان الاستهزاء والسخرية. ولا يمكن ان يستعمل العاقل لفظا لا يريد معناه في مرحلة الاستعمال الّا اذا كان مخطئا في استعماله ، وهذا هو مرادهم من ان الاختلاف لا يكون في المعنى المستعمل فيه وانما يكون في الداعي اليه.