ويمكن استظهار ما ذكرنا من بقاء الرخصة في إتيان الفعل الحرجي من جهة دلالة نفس أدلة الحرج من كلام المصنف في أول تنبيهات قاعدة لا ضرر في الرسالة التي صنفها في قاعدة لا ضرر (١) حيث قال : فلو فرض المكلف معتقدا لعدم تضرره بالوضوء أو الصوم مثلا فتوضأ ثم انكشف أنه تضرر به فدليل نفي الضرر لا ينفي الوجوب الواقعي المتحقق في حق هذا المتضرر ، لأنّ هذا الحكم الواقعي لم يوقع المكلف في الضرر ولذا لو فرضنا انتفاء هذا الوجوب كأن يتوضأ هذا الوضوء لاعتقاد عدم تضرره وعدم دخوله في المتضررين فلم يستند تضرره إلى جعل هذا الحكم فنفيه ليس امتنانا على المكلف وتخليصا له من الضرر ، بل لا يثمر له إلّا تكليفا له بالإعادة بعد العمل والتضرر ، إلى آخر ما ذكره (رحمهالله).
أقول : لا يخفى أنّ الوجه الذي استند إليه في صحّة العمل غير ما ذكرنا ، لأنّه تمسك ببقاء الأمر الواقعي على ما هو عليه ، ولم يرتفع بدليل لا ضرر سوى الأمر الفعلي المنجّز ، ونحن نتمسّك بعد التزام رفع دليل الحرج حكم وجوب الفعل واقعا ببقاء الجواز بدليل لا حرج نفسه بالتقريب السابق ، وأين هذا من ذاك.
وكيف كان ، لو ثبت هذا الحكم من بقاء الرخصة والصحة في الفرض الذي ذكره في مورد الضرر ففي مورد الحرج يكون ثبوت الحكم أولى ، لأنّ ارتكاب الضرر حرام واقعا ولو لم يعلمه المكلّف بخلاف ارتكاب الحرج ، فإذا حرم ارتكاب الضرر واقعا لا يمكن أن يكون موردا للأمر ظاهرا لعدم جواز اجتماع الأمر الظاهري مع النهي الواقعي على الأصح بناء على عدم جواز اجتماع الأمر
__________________
(١) رسائل فقهية : ١١٨.