وقد أورد على ما اخترناه من حرمة التجرّي بأنّ الحكم بحرمة التجرّي غير معقول لوجوه :
الأول : أنّه يستلزم كون الشيء حراما بنفسه وباعتبار تعلّق القطع به أيضا ، وهو محال ضرورة استحالة اجتماع المثلين.
وقد مرّ هذا في مقدمات المسألة مع جوابه وهو أنّ المستحيل اجتماع المثلين في موضوع واحد والموضوع متعدّد هنا فتذكّر.
الثاني : أنّ صدور الخطاب بحرمة التجرّي ممتنع نظير تكليف الغافل والساهي ، حيث إنّ المكلّف لو التفت إلى أنّ فعله تجرّ يعني لا يصادف المعصية الواقعية ، انتفى موضوع التجرّي ، وإن لم يلتفت إلى ذلك لا يمكن تكليفه بترك التجرّي لعدم تفطّنه لموضوع التجرّي فضلا عن حكمه.
الثالث : أنّ عنوان التجرّي عنوان خارج عن قدرة المكلّف ، لأنّه لا يتحقّق في الخارج إلّا مع غفلة المكلّف عنه لما مرّ في الوجه الثاني من أنّه لو التفت انتفى.
والجواب عن الوجهين ما مرّ سابقا من أنّ الخطابات الواقعية تكفي في صحّة العقاب على مخالفتها ما لم يعتذر المكلّف على المخالفة بعذر صحيح ، والجهل بخصوص عنوان التكليف ليس عذرا مقبولا ، بل العلم بنوع التكليف كاف في تنجّز الحكم وصحّة العقاب عليه ، وحينئذ لو كان التجرّي حراما في الواقع يصحّ العقاب عليه وإن كان المكلّف جاهلا بعنوانه معتقدا بأنّه محرّم آخر ، وقد مرّ بيانه مستوفى في أوّل المسألة (١).
__________________
(١) أقول : المناسب أن يجعل الوجوه الثلاثة من أدلّة القول بعدم حرمة التجرّي لا الإيراد على أدلّة القول بالحرمة فتفطّن.