محكم يجوز التمسّك به ومتشابه لا يتبعه إلّا من في قلبه زيغ ابتغاء الفتنة ، بل ثبت هذا التقسيم في القرآن بالإجماع والأخبار الكثيرة القريبة من التواتر ، ثم لم يبيّن المتشابهات عن المحكمات واختلطتا فلا يجوز لنا التمسك بشيء منه.
أقول : وهذا الدليل عندي في غاية القوّة وإن كان الدليل الأول أيضا قويا لكن لا بحيث تطمئن به النفس لقوة معارضاته أيضا على ما ذكر في المتن وغيره ، وما يجاب عن هذا بأنّ الظاهر من المحكم كما سيأتي في المتن ، قلنا مسلّم لو لم يكن في الأخبار ما ينافيه كالروايات الناطقة بأنّ المراد من المحكم هو الناسخ ومن المتشابه هو المنسوخ ، ولا ينافي ذلك كون كلّ من الناسخ والمنسوخ ظاهرا بل نصّا في حدّ نفسه ، بل لعله يستفاد منها أنّه لا نصّ في القرآن إلّا ما علم من الخارج أنّه غير منسوخ وهو في نفسه غير نصّ بدون انضمام ذلك الدليل الخارجي ، وأصالة عدم كون الآية متشابهة معارضة بأصالة عدم كونها محكمة ، وما أجيب به عن ثاني دليلي الأخباري في المتن وغيره لا يأتي هنا بعد قيام الدليل من الكتاب والسنّة والإجماع بأنّ الحجة منحصرة في المحكم مع أنّه مشتبه بالفرض ، ولعله إلى ما ذكرنا من الروايات في تفسير المحكم والمتشابه أشار بقوله : وجعل البيان موكولا إلى خلفائه.
قوله : وجعلوا الأصل عدم العمل بالظنّ إلّا ما أخرجه الدليل (١).
(١) لعل مراده من الأصل بقرينة ما سيأتي في آخر كلامه عموم الآيات والأخبار الناهية عن العمل بالظن بناء على رجوع ضمير الجمع في جعلوا إلى النبي وخلفائه ، وإلّا فالأصل الأوّلي قد انقلب بالمقدمة الأولى.
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ١٥٢.