المرحلة أمرا ونهيا مستقلّا ، بل كلّ ما يقول به هو من ناحية الباري تعالى ، ومخالفته مخالفة الله تعالى ، وأوامره إرشاديّة ، فالعقوبة والمثوبة من خصوصيّات المرشد إليه ، فالجعل والتقنين والتشريع لا يرتبط به صلىاللهعليهوآله ؛ (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)(١).
المقام الثاني : هو مقام الحكومة ، والدليل عليه قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ ...)(٢) ومعلوم أنّ الأمر في (أَطِيعُوا اللهَ) إرشادي إلى حكم العقل ، بخلاف الأمر في (أَطِيعُوا اللهَ) فإنّه من الأحكام المولويّة الإلهيّة الثابتة في الشريعة ، كأنّه يقول : أيّها المسلمون ، يجب عليكم إطاعته في أوامره ونواهيه الصادرة منه صلىاللهعليهوآله بما أنّه رسول ، ويستفاد منه أنّ الله جعل له مقام الحكومة والسلطنة بالنسبة إلى المسائل الاجتماعيّة ، مضافا إلى مقام النبوّة. والشاهد عليه تكرار كلمة «أطيعوا» في الآية ، وجعله في مقابل إطاعة الله يعني إطاعة الرسول في الشئون المربوطة بنفسه صلىاللهعليهوآله ، لا في الأوامر والنواهي الإلهيّة ؛ لعدم ارتباطها برسول الله ، بل ترتبط مستقيما بالله تعالى ، فهو يدلّ بصورة الأمر المولوي على وجوب إطاعة الرسول ، فتارك حفر الخندق ـ مثلا ـ بلا عذر يعاقب لا بما أنّه خالف الله تعالى مستقيما ، بل بما خالف الرسول ، مع أنّه كان واجب الإطاعة بمقتضى قوله : (أَطِيعُوا الرَّسُولَ) فالمأمور به هو نفس إطاعة الرسول.
وهكذا قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ...)(٣) ومعنى الأولويّة المجعولة من ناحية الله تعالى له : وجوب إطاعة أوامره في المسائل الاجتماعيّة
__________________
(١) النجم : ٤.
(٢) النساء : ٥٩.
(٣) الأحزاب : ٦.