فالأمارتان إنّما قامتا على شيئين متباينين غير متلازمين ، لا على شيء واحد ، وكلامنا في أمارتين قامتا على حكمين متنافيين في شيء واحد لا في شيئين.
وأيضا : إن عنيتم بالأخذ بإحدى الأمارتين اعتقاد رجحانها فهو باطل ، لأنّها إذا لم تكن راجحة كان اعتقاد رجحانها جهلا. ولأنّا نفترض الكلام فيما إذا حصل العلم بانتفاء الرجحان ، ففي هذه الصورة يمتنع حصول اعتقاد الرجحان. وإن عنيتم به العزم على الإتيان بمقتضاها ، فإن كان عزما جزما بحيث يتّصل بالفعل لا محالة ، كان الفعل في ذلك الوقت واجب الوقوع ، فيمتنع ورود الإباحة والحظر ، لأنّه يكون ذلك إذنا في إيقاع ما يجب وقوعه ، أو منعا عن وقوع ما يجب وقوعه. وإن لم يكن جازما جاز له الرجوع ، لأنّه إذا عزم عزما غير جازم على الترك ، فلو أراد الرجوع عنه وقصد الإقدام على الفعل جاز له ذلك.
وعن الثالث : أنّه لا قائل بالفرق بين أمارتي الوجوب والإباحة ، وبين أمارتي الوجوب والحظر. ولأنّ الإباحة منافية للوجوب والحظر ، فعند تعادل أمارتي الوجوب والحظر لو حصلت الإباحة كان ذلك قولا بتساقطهما معا وإثباتا لحكم لم يدلّ عليه دليل البتة.
وعن الرابع : أنّ المقصود من وضع الأمارة التوسّل بها إلى المدلول ، فإذا كان في ذاته بحيث يمتنع التوسّل به إلى الحكم كان خاليا عن المقصود الأصلي ، وهو معنى العبث. وهذا بخلاف وقوع التعارض في أفكارنا ، لأنّ الرجحان حاصل في نفس الأمر فلم يكن وضعه عبثا ، نعم لمّا قصرنا في