العمل به ، وإن اختلفوا وجب على المستفتي الاجتهاد في معرفة الأعلم الأورع ، لأنّ ذلك طريق إلى قوة ظنه يجري مجرى قوة ظن المجتهد. وهو قول جماعة من الأصوليّين والفقهاء وأحمد بن حنبل وابن سريج من الشافعية والقفّال منهم. والكتاب العزيز يدلّ عليه وهو قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(١).
وقال آخرون ، كالقاضي أبي بكر وجماعة من الأصوليّين والفقهاء : لا يجب عليه الاجتهاد ، بل يتخيّر في الرجوع إلى من شاء منهم ، لأنّ العلماء في كلّ عصر لم ينكروا على العوام في ترك النظر في أحوال العلماء ، وهو ممنوع.
فإذا اجتهد ، فإن ظنّ الاستواء مطلقا تخيّر في تقليد من شاء كالدليلين المتعارضين ولا ترجيح. وقيل : بعدم جواز وقوعه كما لا يجوز استواء أمارتي الحل والحرمة. وقيل : يسقط التكليف ، لأنّا جعلنا له أن يفعل ما شاء.
وإن ظنّ الرّجحان مطلقا تعيّن عليه العمل بقول الراجح ، كما لو حصل للمجتهد رجحان إحدى الأمارتين.
وإن ظنّ رجحان كلّ منهما على الآخر باعتبار ففيه صور (٢) :
الأولى : أن يستويا في الدين ويتفاضلا في العلم ، فالحقّ وجوب الأخذ
__________________
(١) يونس : ٣٥.
(٢) ذكرها الرازي في المحصول : ٢ / ٥٣٣ ـ ٥٣٤.