سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) (هود : ٧) فكيف يجوز أن يكون غير قادر ولا مستول على العرش إلى أن خلق السموات والأرض.
فإن قيل : نحمل (ثم) على معنى الواو ونجردها على معنى الترتيب (قيل) هذا خلاف الأصل والحقيقة ، فأخرجتم (ثم) عن حقيقتها والاستواء عن حقيقته ولفظ الرحمن عن حقيقته. وركبتم مجازات بعضها فوق بعض.
فإن قيل : فقد يأتي (ثم) لترتيب الخبر لا لترتيب المخبر ، فيجوز أن يكون ما بعدها سابقا على ما قبلها في الوجود وإن تأخر عنه في الإخبار (قيل) هذا لا يثبت أولا ولا يصح به نقل ، ولم يأت في كلام فصيح ، ولو قدر وروده فهو نادر لا يكون قياسا مطردا تترك الحقيقة لأجله.
فإن قيل : فقد ورد في القرآن وهو أفصح الكلام ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) (الأعراف : ١١) والأمر بالسجود لآدم كان قبل خلقنا ، وتصويرنا ، قال تعالى : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) (يونس : ٤٦) وشهادته تعالي على أفعالهم سابقة على رجوعهم.
قيل : لا يدل ذلك على ما تقدم ما بعد (ثم) على ما قبلها. أما قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) (الأعراف : ١١) فهو خلق أصل البشر وأبيهم ، وجعله سبحانه خلقا لهم وتصويرا إذ هو أصلهم وهم فرعه ، وبهذا فسرها السلف ، قالوا خلقنا أباكم وخلق أبي البشر خلق لهم.
وأما قوله : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) (يونس : ٤٦) فليس ترتيبا لاطلاعه على أفعالهم ، وإنما هو ترتيب لمجازاتهم عليها. وذكر الشهادة التي هي علمه ولاطلاعه ، تقريرا للجزاء على طريقة القرآن في وضع القدرة والعلم موضع الجزاء لأنه يكون بهما كما قال تعالى : (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (لقمان : ٢٣) وكقوله تعالى :