فصل
(عدم تنازع الصحابة في آيات الصفات)
تنازع الناس في كثير من الأحكام ، ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد ، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها ، وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بيانا وأن العناية ببيانها أهم ، لأنها من تمام تحقيق الشهادتين ، وإثباتها من لوازم التوحيد. فبيّنها الله سبحانه وتعالى ورسوله بيانا شافيا لا يقع فيه لبس يوقع الراسخين في العلم.
وآيات الأحكام لا يكاد يفهم معانيها إلا الخاصة من الناس. وأما آيات الصفات فيشترك في فهم معناها الخاص والعام ، أعنى فهم أصل المعنى لا فهم الكنه والكيفية. ولهذا أشكل على بعض الصحابة قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (البقرة : ١٧٨). حتى يبين لهم بقوله (مِنَ الْفَجْرِ) ولم يشكل عليه ولا على غيره قوله (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ...) الآية (البقرة : ١٨٦) وغيرها من آيات الصفات.
وأيضا فإن آيات الأحكام مجملة عرف بيانها بالسنة كقوله تعالى : (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (البقرة : ١٩٦) فهذا مجمل في قدر الصيام والإطعام ، فبينته السنة بأنه صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين ، أو ذبح شاة (١). ونظائره كثيرة كآية السرقة وآية الصلاة والزكاة والحج. وليس في آيات الصفات وأحاديثها مجمل يحتاج إلى بيان من خارج ، بل بيانها فيها وإن جاءت السنة بزيادة في البيان والتفصيل.
__________________
(١) أخرجه مسلم في (الحج / ٢ : ٨٠) من حديث كعب بن عجرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقف عليه ورأسه يتهافت قملا ، فقال : «أيؤذيك هوامك؟» قلت : نعم ، قال : «فاحلق رأسك» قال : ففيّ نزلت هذه الآية : (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «صم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق أو انسك ما تيسر لك».